واشنطن تبيع.. وطهران تستغيث

ضمن تحرّك عقابي وسياسي مدروس ضد نهج نظام الولي الفقيه في طهران، قامت الولايات المتحدة بمصادرة أربع ناقلات نفط إيرانية خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بينما أعلنت واشنطن رسمياً وضع يدها على السفن بحمولتها كاملةً. بلغت كمية النفط المصادر من الناقلات ما يعادل /1.1/ مليون برميل كان من المقرر بيعها لحساب الحرس الثوري الإيراني الذي تصنّفه واشنطن منظمةً إرهابية.

إثر عملية المصادرة ووضع اليد على النفط المهرّب، تمّ تسليم الشحنة إلى جهة ثالثة باعت النفط المصادر بمبلغ /40/ مليون دولار، بينما قامت السلطات الأميركية المختصة بتحويل عائدات عملية البيع لفائدة صندوق ضحايا الإرهاب من الأميركيين.

ناقلات النفط الأربع كانت في طريقها إلى موانئ فنزويلا في خرقٍ ملموس لحظر تصدير وشراء النفط الإيراني بين البلدين، المهرِّب والمستقبِل، وكلاهما يقعان تحت العقوبات الأميركية على أيّ حال. وبينما تمتلك فنزويلا أضخم احتياطي للنفط في العالم، إلا أن إنتاجها من النفط المحلي ينهار ويكاد مخزون الوقود ينفد من أسواقها بسبب العقوبات الأميركية على رئيسها نيكولاس مادورو، ما دعا الأخير إلى أن يهرع مستغيثاً بإيران التي تقع تحت عقوبات أشدَّ من تلك التي يئنُّ نظام مادورو من وطئها، والسبب سياسة البلدين العدوانية.

سارعت إيران إلى إنكار علاقتها بناقلات النفط المصادرة، فالمسؤولون هناك يعرفون تماماً أن اختراقهم للحظر النفطي المفروض على طهران سيجرُّ البلاد إلى المزيد من الضغوط الاقتصادية كنتيجةٍ حتمية لتصعيد العقوبات الأميركية بعد اكتشاف واشنطن أسلوب التحايل الذي يلجأ إليه نظام الملالي من أجل تأمين الموارد اللازمة لتعديل كفة اقتصاده الآيل للانهيار من جهة، وبهدف تمويل ميليشياته العابرة للحدود من العناصر المسلّحة المزروعة في أكثر من بلد مجاور بهدف خلخلة استقراره وإشاعة روح الطائفية البغيضة والتحريض على الحروب الأهلية المتنقّلة التي تقوم على هذا التجييش العقائدي العنفي، من جهة أخرى.

نفي طهران ملكيتها لناقلات النفط المهرّب لم يعفها من العقوبات الأميركية المتصاعدة، بل سارعت واشنطن قبيل اكتشاف عملية التهريب إلى فرض عقوبات جديدة على إحدى عشرة شركة وخمسة أشخاص يرتبطون بصورة مباشرة بقطاع البتروكيميائيات الإيراني.

أما ونحن على بعد ساعات فاصلة من انتخاب الرئيس الأميركي القادم الذي سيحمل معه منهجه الخاص في التعاطي مع نظام  العمامات السود في طهران، تستغل إدارة ترامب الحالية كل دقيقة تمرّ لتشدّد الخناق على النظام الإيراني لمنعه من إنتاج سلاحه النووي المنشود. وكان من أصعب الإجراءات الأميركية على طهران هو انسحاب الرئيس ترامب في العام 2018 من اتفاق فيينا النووي المبرم في العام 2015، الأمر الذي علّق كل تقدّم ممكن للنشاط النووي الإيراني ذي الأهداف القتالية غير المدنية.

ساكنُ البيت الأبيض الجديد سيحدّد اتجاه إبرة البوصلة في الملف الإيراني، وكيف سيتمّ التعاطي مع هذا الملف الشائك في السنوات الأربعة القادمة. أما جو بايدن، فتوجهه العام في هذا الشأن لا يُخفى على كل عاقل منذ أن كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما، وقد شغل المكتب البيضاوي نائباً لأوباما لمدة ثماني سنوات شهدت التراخي الأعظم مع سياسات نظام الحكم الثيوقراطي في إيران، وصل إلى حدّ إرسال /3.5/ مليون دولار نقداً بالحقائب الرسمية الأميركية لطهران حين تعذّر إرسالها عن طريق البنوك كتعويضات عن خسائرها إثر توقيعها اتفاق العام 2015. هذا ناهيك عن غض بصر أوباما عن تغوّل الحرس الثوري الإيراني في غير مكان من الشرق الأوسط زارعاً العنف والاقتتال ونزعة التفرقة والتضليل أينما حل.

أما إدارة الرئيس ترامب، فقد مارست بحرصٍ نادرٍ على الأمن والاستقرار العالميين، دور الحارس الفطن الذي يردّ بقوة وبالسرعة المطلوبة تهديدات وأخطار أجندات الولي الفقيه في طهران. فإلى جانب خفضها إنتاج النفط الإيراني إلى معدله الصفري، قامت خلال شهرين على التوالي، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2019 وشباط/فبراير من العام الجاري 2020، بمصادرة حمولتين بحريتين إيرانيتين في مياه بحر العرب كانتا تقومان بتهريب الأسلحة بواسطة سفينتين بلا أعلام. أما الأسلحة المصادرة فتضمنت /171/ صاروخاً موجهاً مضاداً للدبابات، وثمانية صواريخ أرض-جو، ومكونات صواريخ كروز للهجوم البري، ومكونات صواريخ مضادة للسفن، وأسلحة حرارية متفرّقة. وقد كشفت التقارير والتحقيقات فيما بعد أن الأسلحة كانت مرسلة من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لدعم المليشيات الحوثية المقاتلة في اليمن.

القول الفصل في ماهيّة التعاطي الأميركي المستقبلي مع الملف الإيراني وطريقة تقييم علاقات نظام الملالي مع محيطه والعالم، سينتظر نتائج الانتخابات الأميركية ما بعد الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020. فساكن البيت الأبيض الجديد سيحّدد السياسات الأميركية للسنوات الأربعة القادمة في تناولها للمحاور المتعلّقة برسم سياسات الإدارة الأميركية لجهة التعامل مع طموحات إيران العسكرية النووية، ناهيكَ عن أجنداتها الإقليمية للسيطرة على دول الجوار في الشرق الأوسط. فالسياسات الرخوة التي مارستها الدول الموقعة على اتفاق فيينا بشراكة ودعم من إدارة أوباما هي التي شقّت طريقاً يسيراً لنظام الولي الفقيه في طهران مكّنه من نشر بروتوكولاته الخبيثة العابرة للحدود، ومنحته القدرة على العيث فساداً في المنطقة وممارسة كل الموبقات السياسية والأجندات المعزّزة بالعنف وبث روح الانقسام ونشر الفوضى، حين لا رادّ أو رادع له.