الزواج المبكر للفتيات في إدلب.. حرمان من الطفولة ومسؤوليات قبل الأوان
إدلب – نورث برس
تعيش سهيلة عرفات (16عاماً) في منزل أهل زوجها بمدينة سرمدا في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، بعد زواجها منذ أربعة أشهر.
وتزداد ظاهرة الزواج المبكر للفتيات في إدلب شمال غربي سوريا بسبب لحرب والتدهور المعيشي، ووسط معتقدات اجتماعية تحذر من شبح العنوسة وتكرر أن الفتاة للزواج وأن مآلها هو لبيت الزوج.
وقالت سهيلة لنورث برس: “أصبح عمر أختي الكبرى ثلاثين عاماً في انتظار عريس كامل المواصفات، لذلك قرر والدي ألا يرد خاطباً لي.”
لكنها أضافت: “ﻛﺎﻥ الخوف من العنوسة سبباً مباشراً لزواجي المبكر، لكن ﺍﻟﺨﻮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻤﺠﻬﻮﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺘﻈﺮﻧﺎ ﻓﻲ ﻇﻞّ ﺍﻟﺤﺮﺏ هو السبب الأهم .”
“مسؤولية كبيرة”
ولا يقتصر زواج الفتيات المبكر على الأرياف بل يشمل المدن التي لا تخلو من عائلات لا تهتم بتعليم الفتيات وتعتقد أن الفتاة تحصل على فرص أفضل للزواج كلما كانت أصغر سناً.
وقالت براءة العمر (15عاماً)، وهو اسم مستعار لفتاة من مدينة خان شيخون انتقلت من مقاعد الدراسة إلى بيت الزوجية منذ عام، إن الضغوطات النفسية تزداد يوماً بعد آخر بسبب الخلافات مع زوجها.
وأضافت لنورث برس: “وحين أشكو همومي لأهلي، يوبخني والدي ويطلب مني أن أصبر مهما كانت الأحوال.”
وتزوجت براءة في الـ14 من عمرها من رجل يكبرها بـ11 عاماً.
تتذكر أنها لم تكن تعرف عن الزواج سوى الثوب الأبيض والجواهر البراقة، “ولكن مسؤولية كبيرة أصبحت فجأة ملقاة على عاتقي.”
وقالت الفتاة أيضاً إن “الطفل الذي ينمو في أحشائي جعلني أعزف عن أفكار سوداوية للتخلص من تسلط الأب والزوج.”
طلاق وتحسر
ويتبدى زواج الفتيات الصغيرات في مخيمات النزوح أيضاً، لأن الفتيات يتوقفن عن التعليم، فالمدارس بعيدة، وللتعليم ضرورة ثانوية لدى النازحين الذين ينحصر همهم في تأمين لقمة العيش اللازمة لاستمرار الحياة.
وقال عبد الحي الأصفر (44عاماً)، وهو من سكان بلدة خان السبل بريف إدلب الجنوبي، إنه أقدم على تزويج بناته الثلاثة رغم صغر أعمارهن، وذلك بعد نزوحه إلى مخيم عشوائي في منطقة دير حسان.
وأضاف لنورث برس: ” بعد النزوح أصبحت عاطلاً عن العمل، وقررت تزويج بناتي اللاتي بلغت كبراهن الـ17 من عمرها لأكون مطمئناً عليهن، فنهاية الفتاة في مجتمعنا إلى بيت زوجها.”
لكن “الأصفر” يتحسر الآن على ابنته الوسطى التي لم يدم زواجها سوى خمسة أشهر انتهت بالطلاق، ويعيد السبب إلى أن زوجها كان “عديم الأخلاق والضمير.”
“كان يكبرها بتسعة أعوام، واكتشفنا لاحقاً أنه متزوج ولديه أطفال، وأنه يعتمد على أهله للحصول على مصاريف زوجته الأولى وأطفاله.”
وذاقت الابنة كل أنواع العذاب والذل في بيت الزوج الذي كان يضربها ويوبخها لأدنى سبب، على حد تعبير والدها.
ويحذر مختصون من آثار ونتائج زواج الفتيات المبكر على الضحايا بشكل خاص وعلى المجتمع عموماً.
“نتائج خطيرة”
وقالت جيهان مطر (35عاماً)، وهي باحثة اجتماعية من سكان معرة النعمان، إن ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﺟﻌﻠﺖ ﺯﻭﺍﺝ الفتيات المبكر “ﺃﻣﺮاً ﻣﺒﺎحاً، لينحصر دور المرأة في مهام الزواج والإنجاب.”
وحذرت من ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ خطيرة بسبب فقدان الفتيات لفرصهن ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ التعليم، ما يؤسس لجيل غير مؤهل، إلى جانب تعرض ﻧﺴﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ منهن ﻟﻠﻄﻼﻕ مع عدم توفر ﺍﻹﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬن وحقوقهن.
ولفتت الباحثة إلى أن جسد ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻟﻴﺲ ﻣﻬﻴﺌًﺎ ﻟﻠﺘﻐﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﺼﺎﺣﺒﺔ ﻟﻠﺤﻤﻞ والإنجاب، ما يؤدي لإﺻﺎﺑﺘﻬﺎ ﺑﺄﻣﺮﺍﺽ جسدية وﻧﻔﺴﻴﺔ ﻋﺪيدة، ﻛﺎﻻﻛﺘﺌﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﻮﺗﺮ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖ.
وتشير “مطر” إلى ضرورة ﺇﻃﻼﻕ ﺣﻤﻼﺕ ﺘﻮﻋﻴﺔ ﻟﻠﺤﺪّ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺧﺬﺕ ﺗﺘﻔﺸّﻰ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﻇﻞّ ﺍﻟﺤﺮﺏ .