عائلات تتقاسم المرض والفقر في مخيم بإقليم كردستان العراق

هولير – نورث برس

في مخيم قوشتبه بإقليم كردستان العراق، تعيش نحو ألفي عائلة كردية سورية، فرّت من الحرب بين عامي 2012-2016، ظروفاً إنسانية بالغة الصعوبة والتعقيد، وزاد من معاناتهم ما سببه انتشار فيروس كورونا في الإقليم من آثار سلبية يعيشها هؤلاء اللاجئون بشكل يومي.

وعلى الرغم من تأثر معظم اللاجئين بهذا الواقع إلا أن الجزء الأكبر من المعاناة كان من نصيب عائلات يعاني بعض أفرادها أمراضاً مزمنة تحتاج إلى تكاليف علاجية باهظة لا تطيق توفيرها.

ويقول أفراد من عائلات تضمُّ مرضى، في مقابلات حصرية لنورث برس، إنهم يتقاسمون المرض والفقر، ما استنزف قدراتهم المادية “شبه المعدومة أصلاً”، وأبقاهم في انتظار ما يجود عليهم مستوصف المخيم بإمكاناته المتواضعة.

وتسببت إجراءات الإغلاق بعد انتشار فيروس كورونا بتوقف الأعمال وتفشي البطالة في المخيم الذي يقع جنوب العاصمة هولير (أربيل)، ويبعد عنها نحو /15/ كيلومتراً.

وبالرغم مما قدمته سلطات الإقليم ومؤسسات وجمعيات أهلية وخيرية من مساعدات مالية وعينية، إلا أن لاجئين قالوا إن “كلَّ ذلك لم يسدّ حاجتنا.”

أمراض مزمنة وتكاليف

منذ وصوله إلى المخيم في العام 2016، يعمل نيجرفان علي (27 عاماً) في كيِّ الملابس، فيما تعتني زوجته ليلى طاهر بابنتيهما، بيلا (عشرة أشهر)، وشقيقتها الكبرى شيرين (أربعة أعوام) لا سيما أن الكبرى تعاني منذ سنتين من التهابات مزمنة في الكلية والكبد، وضيقٍ في إحدى شرايين القلب.

وتقول العائلة التي تنحدر من قرية حَليق بريف بلدة رميلان النفطية، إنها صرفت على علاج شيرين نحو عشرة آلاف دولار أميركي.

وحالياً “ليس هناك إمكانية لعلاجها في العراق أو إقليم كردستان لعدم وجود تخصّص طبي، ومن الممكن أن تتدهور حالتها إلى مرحلة زرع كلية أخرى في المستقبل.”

وفي خيمة قريبة من خيمة عائلة شيرين، يعيش ريناس مصطفى (26 عاماً)، والذي لجأ مع عائلته إلى الإقليم عام 2012.

ويسكن “مصطفى” في الخيمة التي تضم أمّه وجدّته، ويعاني منذ ستة أشهر من تشوّه وعائي وهو وجود كتلة متورّمة في منطقة الدماغ.

وتكلّف الشاب نحو /15/ ألف دولار أميركي لقاء فحوصات وأدوية، وهو ما دفع والدته للعمل حين يشتد مرضه، حيث تعمل الأم كعاملة مياومة في قطاف المحاصيل الزراعية لسدِّ مصاريف العائلة وعلاج ابنها.

يوم جاء الوباء

ما أن اجتاحت جائحة كورونا إقليم كردستان العراق في أواخر شباط/فبراير الفائت، حتى سارعت حكومة الإقليم إلى اتخاذ إجراءات احترازية للحدِّ من انتشار الوباء.

وشملت الإجراءات إغلاقاً كاملاً منعت خلاله حركة التنقل بين محافظات الإقليم وبين المدن الكبيرة والبلدات المحيطة بها.

كما شمل الإغلاق مخيمات اللاجئين المنتشرة هناك، حيث تم منع الخروج أو الدخول إليها.

واستمرت الإجراءات الأوليّة ثلاثة أشهر متواصلة، انقطع خلالها معظم سكان المخيمات عن العمل وسط شبه انعدام لطرق الكسب عدا بطاقة شهرية يحصل بها اللاجئون على مساعدات إنسانية تقدمها منظمات تابعة للأمم المتّحدة.

وتسبّب هذا الواقع بتفاقم الحالة المعيشية المتدهورة أصلاً للكثير من العائلات.

“قواعد” لا خيم

تمتاز بعض مخيمات إقليم كردستان العراق عن غيرها من مخيمات النزوح في الدول المجاورة لسوريا بفوارق منها تحوّل الخيام إلى ما يطلق عليه اللاجئون تسمية “القواعد”.

وهذا النوع من البيوت يتكون من غرف قام اللاجئون ببنائها على نفقتهم الخاصة أو بمساعدة منظمات إغاثية.

وتُبنى هذه القواعد من البلوك بينما تسقّف بصفائح التوتياء، وقد تجد من استثمر في دكاكين صغيرة، يبيع فيها سلعاً مختلفة أو مواد غذائية.

صورة لصفائح التوتياء التي تغطي قواعد مخيم قوشتبه - نورث برس)
صورة لصفائح التوتياء التي تغطي قواعد مخيم قوشتبه – نورث برس)

وتنتشر في إقليم كردستان العراق، ثماني مخيمات للاجئين السوريين منها “كوركوسك” و”قوشتبه” جنوب هولير، و”دوميز” جنوب غرب دهوك، وهو أكبر المخيمات وأكثرها اكتظاظاً، و”دار شكران” غرب هولير كما أن هناك مخيمات بالقرب من السليمانية.

وبلغ عدد اللاجئين السوريين، نحو /228/ ألف شخص لجؤوا إلى الإقليم خلال الأعوام الثمانية الماضية.

ووثقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، أواخر العام الفائت، نزوح أكثر من سبعة آلاف كردي سوريّ إلى مخيمات كردستان العراق.

ونزحت هذه الدفعة على خلفية هجوم القوات التركية وفصائل المعارضة المسلّحة التابعة لها على سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض في تشرين الأول/أكتوبر 2019.  

وتم نقل معظم هؤلاء النازحين إلى مخيم “بَردَرَش” بمحافظة دهوك بالإقليم.

مستوصف بإمكانات ضعيفة

يقول صباح سليمان، وهو طبيب يعمل في مستوصف المخيم، إنهم يقدّمون نحو /95/ بالمئة من الأدوية للاجئين بشكل مجاني، “ومن ضمنها أدوية لأمراض مزمنة.”

ويتلقى المستوصف مساعدات “من مؤسسة بارزاني الخيرية ووزارة الصحة في إقليم كردستان العراق ومنظمة جيان ومنظمة الصحة العالمية ومنظمات تابعة لها”، بحسب الطبيب.

ويستقبل المستوصف حالات تشمل أمراض الجهاز التنفسي والهضمي وآلام المفاصل والظهر والجروح البسيطة والعديد من الأمراض الأخرى والموسمية، “أما الحالات التي يصعب التعامل معها فيتم تحويلها إلى مشافي هولير.”

وتتراوح حالات الأمراض المزمنة، في المخيم بين /300/ إلى /350/ حالة، “عدا أشخاص قصدوا الإقليم بهدف العلاج ويقيمون لدى ذويهم في المخيم.”

ويقول المسؤولون عن المستوصف إنهم لا يستطيعون التصرف في حالات الأمراض المزمنة، وإنهم يقومون بإرسال تقرير طبي إلى منظمات تنشط في المخيم “وهي التي تدرس الموضوع، فإن تمت الموافقة، تقوم المنظمات بدفع نصف المبلغ المطلوب للعلاج أو أكثر.”

ماذا عن علاج أحمد؟

في عائلة حسين رمضان، التي تنحدر من منطقة ديرك (المالكية) في أقصى شمال شرقي سوريا، والمكوّنة من خمسة أشخاص، يعاني أحمد (ثلاث سنوات) من مرض يُدعى “رباعي فالوب بالقلب”، بالإضافة إلى كونه مصاباً بـ”متلازمة داون”.

وتقول العائلة، إنها لم تتلقَ أيّ مساعدة لعلاج طفلها، وقد نصحهم الأطباء بإجراء عملية قلب مفتوح، لكن العملية تكلّف نحو /30/ ألف دولار أميركي.

ويعمل والد أحمد في مدرسة المخيم الثانوية، براتب شهري يبلغ /150/ دولاراً أميركياً.

ويقول إنه دفع تكاليف باهظة لعلاج طفله لكن دون جدوى، حيث يشدد أطباء المخيم على ضرورة إجراء عمليات جراحية في الخارج.

ويضيف بحسرة: “ذلك رهن بإجراءات وشروط المنظمات الدولية العاملة في المخيم.”

إعداد: إسماعيل مراد – تحرير: عبد الله شيخو