من مرسم صغير في الحسكة.. موهبة تشكيلية نشأت في زمن الحرب وتخطتها

الحسكة – دلسوز يوسف – نورث برس

 

في قبو منزله الذي حوله إلى مرسم في أحد الأحياء الشعبية بمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يقضي الفنان التشكيلي "أكرم بكر" ساعات طويلة من يومه في رسم لوحات تجسد صوراً من الحياة اليومية ووحي خياله بطريقة احترافية، يلامسها المرؤ للوهلة الأولى عند النظر إلى الرسومات التي تزين جدران مرسمه الصغير.

 

تحقق حلم الرجل الذي غزا الشيب لحيته الآن عندما تخرج من معهد الفنون التشكيلية في مدرسة "صبري روفائيل" بمدينة الحسكة قبل نحو /10/ أعوام.

 

يقول بكر إنه يميل في فنه إلى "الطبيعة الصامتة" التي تأخذ الناحية الجمالية أساساً لها، وتعتبر من أصعب الفنون التشكيلية لما تتطلب دقة عالية في التصميم واحترافية في الأداء وتأخذ وقتاً طويلاً في إنجاز لوحة ما، ما عدا المصاريف المالية الكبيرة التي تستلزمها، على حد قوله.

 

ومنذ تخرجه أنجز المئات من اللوحات، شارك بها في العديد من المعارض العامة والخاصة في منطقة الجزيرة، ولا يزال يحتفظ ببعض أعماله التي تغطي مساحات واسعة من جدران منزله ومرسمه، بينما لا يزال عدد منها قيد التنفيذ.

 

"أرسم الفن التشكيلي بالقلم الرصاص والألوان الزيتية، المنهج الذي اتبعه هو الفن الواقعي وهو يختلف عن التصوير الضوئي والفنون الكلاسيكية، وهذا الفن لم يفقد بريقه منذ عصر النهضة وإلى يومنا الراهن".

 

بيئة مهمشة

 

وعلى طول العقود الماضية لم يزدهر الفن التشكيلي في الجزيرة السورية بشكل كبير، نظراً للبيئة المهمشة المرتبطة بالواقع الاقتصادي المتردي لقاطني المنطقة، فكانت الأولويات تصب على الواقع المعيشي.

 

ولم يتخيل الفنان التشكيلي الكردي بأن تنطلق مسيرته المهنية بشكل أكاديمي مع شرارة الحرب السورية التي ألقت بظلالها على الواقع الاجتماعي والاقتصادي وأثرت في شد الجمهور لموهبته بالشكل المطلوب، ما أدى إلى ألا تبصر الكثير من أعماله النور إلى الآن.

 

"الفن الواقعي يحتاج إلى بيئة مستقرة، لكن كما نعلم تعاني البلاد منذ /10/ سنوات من حروب داخلية، وهذا ما أثر على النواحي الفنية وعلى عدم توفر صالات العرض بالقدر الكافي".

 

وقال إنه لا يمكن القول إن الجمهور غير مهتم بالفن، "لكن بشكل عام هناك أولويات أخرى بالنسبة له كالتركيز على قضايا الأمن والمعيشة، لذا فإن الفن يزدهر في مجتمعات مستقرة وآمنة كونها حالة جمالية تُضاف إليه".

 

صور من الواقع

 

خلال الحرب السورية سعى معظم الفنانين التشكيليين إلى عكس معاناة الحياة اليومية للسكان وترجمتها إلى لوحات فنية تعبر عن المأساة التي مروا بها خلال السنوات المنصرمة، إلا أن بكر يقول إنه يحاول التعبير برسوماته التأثير على الحالة المجتمعية من خلال تحويل أدوات الحرب إلى صور جمالية لأن "الحياة أجمل من الحرب".

 

ويضيف: "الفن التشكيلي يختلف من شخص لآخر وفق المدرسة التي تخرج منها، التعبير عن الحالة الاجتماعية المتردية هي تخصص المدرسة التعبيرية، أما بالنسبة لي كفنان يرسم الطبيعة الصامتة فأنا أفضل تحويل الحالة المتردية إلى حالة تفاؤل وأمل".

 

وينتقد الفنان التشكيلي انتهاج البعض من زملائه في المهنة رسم أشلاء متقطعة أو دمار أو أعيرة نارية كونها "تؤذي النفس البشرية" على حد قوله.

 

غياب الوعي والذائقة الفنية

 

ويرى بكر أن غياب الدور الفعال للفنون الجميلة، أدى إلى دخول الكثيرين هذا المجال دون التعرف عليه بشكل أكاديمي، وأن الكثير من الأعمال التي خرجت للعلن من خلال الرسومات على الجدران وصناعة التماثيل في الساحات العامة، باتت محط سخرية ونقد لدى شريحة واسعة من الناس، على حد قوله.

 

وأضاف أن آخرها نصب تمثال قيل لـ "حمامة" من قبل بلدية الشعب في الإدارة الذاتية، وأصبح محل انتقاد من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي وسكان المدينة بأن هذا العمل غير متقن وغير هادف.

 

ويرجع الفنان الأربعيني أسباب عدم ازدهار فن الرسم في الجزيرة إلى ما أسماه "التلوث البصري"، الذي يقع فيه بعض الرسامين.

 

"الفن التشكيلي قائم على أفكار بسيطة وفق أفكار جمالية أو تعبيرية وغيرها، ويستهدف تغيير الذائقة البصرية، لذا هناك الكثير من المشاهد المؤذية للبصر التي يشاهدها العامة وتسمى بالتلوث البصري".

 

وخلال مسيرته الفنية طوال /10/ سنوات مضت، شارك الفنان التشكيلي أكرم بكر في العديد من المعارض المشتركة على مستوى شمال شرقي سوريا، إلى جانب تنظيمه لمعارض خاصة بلوحاته ضمن نطاق مدينته فقط.

 

ورغم الصعوبات التي تواجه الفن التشكيلي في الترويج للوصول إلى كافة الشرائح المجتمعية، إلا أن الإصرار في الاستمرار بهذه المهنة والإيمان بما ينجزه من خلال التشجيع الذي يتلقاه بكر من محيطه، زاد من ثقته بنفسه بطرح المزيد من الأفكار.

 

ويعرض الفنان التشكيلي لوحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب غياب الدور الإعلامي في الاهتمام بالفن والرسم وفق قناعته، "في مناطقنا لا يتم الاهتمام بجانب الفن البصري، ما نلومه هو غياب البرامج التخصصية لإظهار الفنون الجميلة للمجتمع".

 

يعمل الفنان التشكيلي أكرم بكر في مرسمه الصغير حالياً على إنهاء مجموعة من اللوحات التي بدأ بالعمل عليها، ليقيم معرضاً خاصاً خلال الفترة القادمة معبراً عن تعلق الشديد بالفن بقوله:

 

"سأظل أرسم وأرسم ما دمت أتنفس في هذه الحياة".