"أبو جاسم".. نازح في ديرك يبيع الذرة على عربة صغيرة لإعالة أسرة تضم مرضى

ديرك – سولنار محمد – نورث برس

 

يجر عربته البسيطة ويجوب شوارع مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، حاملاً فوقها قدراً كبيراً من الذرة المسلوقة والكثير من الأماني الصغيرة، علّه يعود نهاية يومه الطويل حاملاً ما يكفي أسرته.

 

يبدأ محمد علي الحشيم (45 عاماً)، وهو نازح من دير الزور، في ساعات الصباح الأولى بسلق الذرة الصفراء على موقد الكاز في فناء منزله المتهالك، لينطلق بعدها في جولته بالمدينة.

 

مرضى وذوو احتياجات خاصة

 

وينحدر "الحشيم" من محافظة دير الزور، إلا أنه قضى نحو /15/ عاماً مع أسرته في العاصمة دمشق، ليضطر لاحقاً إلى النزوح لمدينة ديرك قبل حوالي عامين بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في دمشق، ولتبدأ رحلة كفاح جديدة من أجل إعالة أسرته المؤلفة من زوجته وابنته وأبنائه الخمسة.

 

يعبر "أبو جاسم" كما يحب أن ينادى، عن ارتياحه حيال جيرانه من مسيحيين وكرد في أحد أحياء المدينة، رغم أنه يسكن في منزل يفتقر لمعظم مقومات السكن لقاء أجرة تبلغ /20/ ألف ليرة شهرياً.

 

ويعاني "أبو جاسم"، من إعاقة بصرية فلا يرى بعينه اليمنى منذ الولادة، وطفله الكبير لديه تأخر في الإدراك، وهو مرض يصاب به الأطفال حيث يتأخرون في النطق والمشي ويعانون من تشتت في الانتباه، أما زوجته فلديها إعاقة في السمع والنطق منذ الولادة.

 

لم يأخذ ولده إلى الطبيب لمعالجته لأنه لا يقدر على تحمل تكاليف العلاج والأدوية، بحسب قوله.

 

بلغة الإشارة وفي الدقائق القليلة التي التقينا بها، عبرت "أم جاسم" عن ظروفهم الصعبة ومعاناتهم التي يعيشونها في ذلك المنزل، فأشارت إلى أن الأمطار تتساقط عليهم في الشتاء كما أنه شديد الحرارة في الصيف.

 

ولم تتلقَّ العائلة أي مساعدات منذ سكنهم في المدينة قبل عامين، سوى سلة غذائية لمرة واحدة قدمت لهم من المجلس المحلي في الحي، في ظل غياب أي دعم من المنظمات والجمعيات الخيرية في المدينة.

 

 

"مردود لا يكفي"

 

لم يعرف "أبو جاسم" مهنة أخرى سوى بيع الذرة في الصيف، والفول والبليلة في الشتاء، على عربته التي أصبحت رفيقة دربه وهو يجوب شوارع المدينة كل يوم، تلك الشوارع التي اعتادت على عجلات عربته ورائحة الذرة التي تملأ الأرجاء.

يقول لـ"نورث برس": "أعمل لنحو /13/ ساعة في اليوم، أقوم بتجهيز الذرة وبيعها خلال جولتي في أرجاء المدينة".

 

ويحصل "أبو جاسم" على مردود يومي يقدره بـ /5000/ ليرة سورية، وهي "لا تكفي سعر وجبة غذاء صغيرة لعائلته"، لكنه يضيف أن أهالي الحي يقدمون له أحياناً بعض المساعدة، "لولا أهل الخير فلن أستطيع تدبر أموري".

 

وفي ظل ارتفاع أسعار المواد الغذائية متأثرة بهبوط الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، يبقى النازح في مواجهة صعبة مع ظروفه المعيشية المتفاقمة نتيجة الغلاء مؤخراً، "فقبل ارتفاع الدولار كان إقبال الأهالي على شراء الذرة جيداً ولكنه انخفض للنصف حالياً (..)، كنت سابقاً أشتري كيلو الذرة بسعر /250/ ليرة أما الآن فقد وصل سعره لـ/700-800/ ليرة".

 

وأضاف: "كنت أبيع القطعة الواحدة من الذرة بسعر /100/ و/200/ ليرة سابقاً أما الآن يتراوح سعرها من /200/ إلى /500/ حسب حجمها.

 

تنوع ومحبة

 

ويعرف "أبو جاسم" بين سكان ديرك لتنقله الدائم بين أحيائها لبيع الذرة، وله شعبية بينهم حيث اعتادوا على شراء الذرة منه.

 

وعلى أنغام أغاني "أم كلثوم" ومع أضواء خافتة وكثير من الألفة، تضفي عربة "أبو جاسم" رونقاً جميلاً على المدينة، تلك العربة التي تحمل أسرار أسرة أنهكتها الحرب فرأت في مدينة ديرك ملاذاً آمناً لها، بانتظار "فرج الله" وتحسن حاله ومعالجة طفله الذي يحتاج إلى رعاية طبية مستمرة.

 

يقضي "أبو جاسم" ساعات في بيع الذرة بالقرب من جامع "شيخ معصوم" وسط المدينة قبل أن يتوجه مع غروب الشمس إلى منزله بجانب كنيسة الاتحاد الإنجيلية، في زيارة قصيرة لأسرته لا تتعدى الدقائق، لأخذ كمية أخرى من الذرة المسلوقة والتوجه إلى حي الكورنيش في المدينة لبيعها ليلاً.

 

ورغم بعد مدينة ديرك بالنسبة لمناطق الجزيرة الأخرى، إلا أنها كانت وجهة عدد من النازحين طوال سنوات الحرب في سوريا، ولا تخلو الآن من عائلات تنحدر من مناطق مختلفة من الجغرافية السورية، يصف "الحشيم" سكانها بالقول: "شعب متفهم، مسالم ومحب للخير وللناس".

 

وأصبح "أبو جاسم" يفهم عدة تعابير باللغة الكردية، كما يتقن القليل من الكلمات، يرد بها على أصدقائه وزبائنه الذين من سكان المدينة الذين يعبرون عن امتنانهم له.

 

أثناء فترة البيع المسائية في حي الكورنيش، اعتاد "أبو جاسم" الجلوس مع صديقه "أبو محمود" والذي نزح هو الآخر من مدينة الحسكة، يحاولان قضاء ساعات تنسيهما شقاء العيش ويتبادلان أطراف الحديث و"هموم الدنيا".