استعادت به ثلث مساحة البلاد في ثماني سنوات.. دمشق تلغي نظام المصالحات
نورث برس
ألغى مجلس الشعب بدمشق، الخميس، الهيئة العامة للمصالحة الوطنية، ليطوي بذلك ملفاً اعتمدته الحكومة السورية لاستعادة سيطرتها على مناطق واسعة خلال سنوات الحرب.
ونص المرسوم “رقم 22” التشريعي على إلغاء المرسوم التشريعي رقم 19 لعام 2018 المتضمن إحداث هيئة عامة للمصالحة الوطنية.
بداية نظام المصالحات
و جاء إحداث الهيئة عام 2018 كهيئة بديلة عن وزارة المصالحة التي ألغيت عام 2018، وذلك بعد ست سنوات من إحداثها حيث تولّاها منذ تأسيسها الوزير السابق “علي حيدر”.
وبرز ملف المصالحات في سوريا مع بدء العمل المسلح في البلاد، واستخدامه كمسار موازٍ للتحرك في الميدان المتمثل بالمسار العسكري للقوات الحكومية وفق مراكز دراسات.
واستطاعت الحكومة السورية من خلال المصالحات العودة إلى أغلب المناطق التي خرجت عن سلطتها السياسية والعسكرية وحتى الإدارية.
وكانت الحكومة السورية قد فقدت عام 2013 نحو 70% من مساحة البلاد إلا أنها باتت الآن تسيطر على نحو 63%.
“استنفدت دورها”
ورأى رئيس لجنة القوانين المالية في المجلس النائب عمار بكداش، أن إلغاء الهيئة هو قرار حكيم لأنه استنفد دورها ووجودها لم يعد لها فائدة.
ودعا “بكداش” إلى إلغاء لجنة المصالحة في المجلس لأنه تم إلغاء الهيئة في السلطة التنفيذية، وفق صحيفة الوطن الموالية للحكومة السورية.
وأضاف أن المجلس بحسب النظام الداخلي يحق له إلغاء أي لجنة إذا رأى أنها عديمة الفائدة.
وذكرت مواقع موالية للحكومة السورية أنه طوال ست سنوات من وزارة المصالحة لم تتمكن من تحقيق إنجازات تتناسب مع أهدافها التي أعلنها الوزير السابق علي حيدر.
وأشارت إلى أن الوزارة مع تحوّلها إلى “هيئة عامة” اضمحلّ دورها أكثر حتى كادت تُنسى لولا أن أعاد البرلمان التذكير بها اليوم بإلغائها رسمياً.
وتقول دراسة لمركز جسور للدراسات إنه بعد أيام من تشكيل وزارة المصالحة الوطنية وضعت رؤية لعملها قدمتها لمجلس الشعب السوري.
وتضمنت الرؤية أولاً تحقيق الأمن بناء على سياسة فرض الاستقرار العسكري الذي يعتمد إما على السيطرة التامة أو على حصار المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
كما تضمنت العمل على إشراك القوى المتفرقة للمعارضة العسكرية والمدنية المحلية في مؤسسات الدولة ضمن نطاق معين، وبما يضمن عدم تمرّدهم و الاستفادة من جهودهم.
وكان علي حيدر وزير المصالحة الوطنية قد أقر العام2015 بعدم نجاح الوزارة في تأطير جهودها في مؤتمر وطني جامع.
روسيا والمصالحات
ومع إعلان تأسيس مركز حميميم للمصالحة في 23 شباط/ فبراير 2016، بدا وكأن روسيا قد بلورت رؤية وزارة المصالحة، واستفادت منها لصياغة استراتيجية طُبقت في مناطق خفض التصعيد.
حيث نشط عمل لجان المصالحة في مناطق خفض التصعيد بشكل أوسع مما كانت تتبعه لجان الحكومة السورية، وفق مركز جسور للدراسات.
ويقول المركز إن استراتيجية نظام المصالحة في سورية كانت تهدف بشكل رئيسي إلى تمكين الحكومة المركزية في دمشق قبل أي إجراء حقيقي بمسار العملية السياسية.
وساهمت استراتيجية المصالحة الموازية للعمل العسكري في إعادة مناطق استراتيجية في محافظات دمشق وريف دمشق ودرعا والقنيطرة وحمص وحلب إلى سيطرة الحكومة السورية.
وتظهر تجارب المصالحات في مناطق مختلفة من سوريا إلى وجود اختلاف في نماذج تطبيق نظام المصالحات.

أولويات أمنية/ عسكرية
ويعود الاختلاف وفق دراسات إلى سلّم أمني/عسكري للأولويات، اعتمد بداية من قبل وزارة المصالحة الوطنية وبعدها من قبل مركز حميميم للمصالحة.
ويمكن توضيح هذا السُلّم وفق ما يلي: أولاً تأمين طرق الإمداد العسكري الرئيسية للقوات الحكومية والميليشيات الأجنبية معها.
وثانياً: قطع طرق الإمداد العسكرية بين المناطق والمحلّات التي تنتشر فيها فصائل المعارضة.
ثالثاً: تأمين الموارد المائية للعاصمة دمشق.
رابعاً :تأمين موارد الطاقة وضمان استمرار عمل الحكومة السورية عليها.
خامساً: تعزيز القوة الداخلية للحكومة السورية .
سادسا”: توفير الجهد العسكري من أجل تركيز العمليات على جبهة تلو الأخرى.
وأخيراً: إعادة بناء قوة برية.
وتظهر تجربة نظام المصالحات أن الحكومة بعد سيطرتها على العديد من المناطق، عادت لتظهر التوجه الأمني لديها؛ ونفذت حملات اعتقال للعديد من أعضاء لجان المصالحة.
كما شملت الحملات أعضاء في لجان التفاوض، بالإضافة إلى العديد من القادة العسكريين المنضمين لعمليات التسوية. كما لم تثنِ الإجراءات التي اتخذها مركز حميميم للحد من التوجه الأمني.
معارضة متقاتلة
لكن في المقابل أظهر نظام المصالحات على نطاق واسع الضعف البنيوي لفصائل المعارضة المسلحة، التي لم تستطع تجاوز حالة الانقسام الداخلي بينها.
وفضلت الفصائل الخروج من مناطقها متشرذمة متقاتلة، على أن تتحد لمواجهة التحديات التي تواجهها، والتي أدّت في النهاية إلى نهاية معظمها، وفق مركز جسور للدراسات.
كما أظهر تطبيق المصالحات ضعف قدرات الفصائل على التخطيط الاستراتيجي، وضعف قدرتها على قراءة الواقع السياسي واستشراف المستقبل من خلاله.
لكن رغم استعادة الحكومة السورية السيطرة على نحو 60% من مساحة بالبلاد، إلا أن غالبية المناطق المستعادة بنظام المصالحات لا تزال تشهد اغتيالات ويغيب عنها الاستقرار للسكان وللقوات الحكومية على حد سواء.