في إدلب.. الحرب والأعراف الاجتماعية تحرم فتيات من التعليم

إدلب – نورث برس

أجبرت الفتاة علا الشعراوي (16 عاماً)، من قرية أطمة الحدودية بريف إدلب، شمال غربي سوريا، على ترك مقاعد الدراسة العام الماضي والزواج في سنٍّ مبكرة، ما أضاع حلم طفولتها بأن تصبح معلمة في المستقبل.

وتُعد “الشعرواي” واحدة من آلاف الفتيات اللواتي حُرِمن من متابعة تعليمهن في سوريا، بسبب الأعراف الاجتماعية والأدوار النمطية التي لا تزال ملتصقة بالنساء، بالإضافة للحرب وتداعياتها.

وبحسب دليل التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة،  فقد تراجع دليل التعليم في سورية بنسبة 32.2% مقارنة بالعام 2010 وذلك بسبب انخفاض معدل الالتحاق بالمدارس، وانخفاض سنوات التدريس، وتسرب الأطفال نتيجة الحرب.

وتجبر فتيات في إدلب وريفها إلى هجر التعليم والتفرّغ للأعمال المنزلية أو الزواج المبكر نتيجة عادات وتقاليد تمنع الفتيات من التعلم.

وقالت “الشعراوي” لنورث برس، إنها كانت طالبةً في الصف التاسع الأساسي حين قرر والدها إبعادها عن التعليم، “لأنني البنت البكر في الأسرة، وعليَّ مساعدة أمي في أعمال المنزل.”

وأضافت أن أحد أقاربها تقدّم بعد مدة قصيرة لخطبتها، وأنها وجدت نفسها فجأة أمام مسؤولية كبيرة، وهي رعاية بيتها وواجباتها الزوجية.

“بينما في داخلي، ما تزال تلك الطفلة تتمنّى أن ترتدي الصدرية المدرسية وتسعى بأملٍ لتحقيق هدفها.”

وكان القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي، قد قال في تصريح له لجريدة الوطن شبه الرسمية آذار/ مارس العام الفائت، إن نسبة زواج القاصرات خلال سنوات الأزمة ارتفعت إلى /13/ بالمئة، بعد أن كانت لا تتجاوز ثلاثة بالمئة، وأغلبها وفق عقود عرفية.

وتشكل الأوضاع الاقتصادية المتردية وانتشار الفقر ومحدودية الدخل وعدم القدرة على تأمين مستلزمات المدرسة من ملابس وقرطاسية، أسباباً أخرى لامتناع الأسر عن تعليم بناتها في إدلب.

أعراف اجتماعية


وقالت حليمة طيفور (39 عاماً)، وهي ربّة منزل من مدينة إدلب، إن أسرتها تعجز في كثير من الأحيان عن تأمين احتياجاتها المعيشية، “فكيف ننفق على المدارس؟”

وتركت ابنة “طيفور” المدرسة بعد نيل شهادة التعليم الأساسي، لتتفرغ أسوة بقريناتها للأعمال المنزلية.


وترى نساء في إدلب أن الزوج هو من سيتكفل في نهاية المطاف بالإنفاق على الأسرة، وأن الفتاة ستعمد لاحقاً إلى “تعليق شهادتها على الجدار لتنشغل بتربية أبنائها ورعاية شؤونهم.” على حد تعبير “طيفور”.

ويقول سكان من إدلب إن ظاهرة التسرب من المدارس كانت منتشرة في إدلب ما قبل الحرب في سوريا أيضاً، إلا أنها تفاقمت في ظل التدهور الأمني والمعيشي.

مخاطر أمنية


وقال محمد العمر (45 عاماً)، وهو أبٌ لثلاثة فتيات ومن سكان ريف معرة النعمان الشرقي بإدلب، إن بناته تركن المدرسة بعد النزوح بسبب بعد المدارس عن مكان إقامته الحالي في مخيم عشوائي على أطراف بلدة كفر يحمول بريف إدلب.

“تحتاج بناتي للمشي ساعةً كاملة للوصول إلى أقرب مدرسة خاصة بالفتيات، وبحكم وجودي في العمل طوال النهار، لا أستطيع مرافقتهن إلى المدرسة، لذلك اضطررت لإجبارهن على ترك المدرسة والتفرغ لأعمال المنزل.”


ولفت “العمر” إلى أنه لن يخاطر بإرسال بناته، اللاتي تبلغ أصغرهن /13/ عاماً، إلى المدرسة في ظل ما يسمعه يومياً “من حوادث خطف واغتصاب” في ظل الفلتان الأمني في المنطقة وغياب القوانين الرادعة.

وقالت فدوى الجاسم (25 عاماً)، من مدينة إدلب، إنها لم تستطع بعد وفاة زوجها أن تحظى بفرصة عمل نتيجة عدم متابعة دراستها.

وأضافت أنها سعت بعد وفاة زوجها بعام للحصول على عملٍ يعينها في الإنفاق على نفسها وأولاها الثلاثة، لكنها لم تحظَ بأي فرصة بسبب تركها المدرسة بعد الصف السادس.

“شعرت بالندم والحسرة على تركي للمدرسة، ففرص المرأة المتعلّمة في العمل تفوق فرص نظيرتها غير المتعلّمة أو المتسرّبة من المدرسة.”

وتقول نساء حُرِمن من متابعة تعليمهن في إدلب إن التعليم كان سيساعدهن في الاعتماد على النفس وتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال المادي.

آثار سلبية

ويرى مختصون اجتماعيون أن إبعاد المرأة عن التعليم يؤثر على حياتها بشكل سلبي ويضعف شخصيتها ويحرمها من الاستقلالية الاقتصادية.

وتعتقد جيهان مطر (35 عاماً)، وهي مرشدة اجتماعية من مدينة معرة النعمان بريف إدلب، أن “تعليم الفتاة حق مشروع، وأن أهميته لا تنعكس على الفتاة وحدها بل على مجتمعها أيضاً.”

وقالت “مطر” إن بإمكان المناهج التعليمية نشر المفاهيم والقيم التي تشدد على دور المرأة وأهمية مشاركتها في بناء المجتمع.


وأشارت إلى أن “الفتاة في مجتمعنا تتحمل عبء الأعمال المنزليّة، الأمر الذي يُساهم بحرمانها من حقّها في الحصول على التعليم، بسبب العادات والتقاليد وإهمال المرأة بالدرجة الأولى.”

ويقدر عدد الأطفال السوريين المتسربين من التعليم بنحو مليوني طفل، بحسب  تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف  “نشر في آب/ أغسطس العام الفائت.


وترى المرشدة الاجتماعية أنه ينبغي نشر الوعي بأهمية استمرار الفتاة في التعليم وحمايتها من خطر الزواج المبكر، “فالتعليم يسهم في تكوين شخصية الفتاة وتحقيق الاستقلال المادي.”

 وأضافت أن تعليم الفتيات يساهم كذلك في تدعيم ثقتها بنفسها وجعلها أكثر قدرة على التعامل مع الآخرين والتفاعل مع المجتمع، “فكلما زادت درجة التعليم، زادت القدرة على تحديد الوجهة والأولويات.”


إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: سوزدار محمد