"ولد ليكون مذهلاً".. أطفال يروون يومياتهم في مخيم شمال شرقي سوريا
القامشلي – دانا حسن – نورث برس
على قميصه ذو اللون الباهت تقول الكلمات "ولَد ليكون مذهلاً"، فمنذ أن استقر به الحال في مخيم "واشوكاني" للنازحين غرب مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يقضي أحمد (11 عاماً)، النازح من ريف سري كانيه، معظم وقته في مساعدة عائلته المكونة من ستة أفراد، والتي تضم والداً يعاني قصوراً في الكلى.
في عمر السنتين كان قد تعرض لحادثة تركت على وجهه آثار حروق، ويقول إنه سيخضع لعملية تجميل عندما يبلغ الـ/15/ عاماً.
أحمد كان قد فر مع أفراد عائلته بعدما أجبرهم هجوم للجيش التركي مع فصائل المعارضة الموالية له على شمال شرقي سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2019 على ترك منازلهم، ليقيموا بين الآلاف من نازحي منطقتي سري كانيه وتل أبيض، في مخيم واشوكاني بريف الحسكة الشمالي.
وكانت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" قد نصبت على عجل عقب الهجوم التركي، /1700/ خيمة، لتأوي/12000/ نازحاً من بينهم/ 5000/ طفل.
وتترك حرارة الصيف المرتفعة أثرها على صحة النازحين، إذ ازدادت مؤخراً حالات الإسهال والإقياء في المخيم، خاصة أن الخيام مصنوعة من البلاستيك رديء النوعية.
ولا توفر هذه الخيم مساحات يمكن للأطفال فيها اللعب إن أرادوا، لذا لا خيار لهم سوى الخروج، الخروج من ضيق الخيمة إلى ضيق المخيم الذي يفتقد إلى أدنى متطلبات الأطفال وكل شيء تقريباً.
يقول أحمد، وعلامات التأثر بادية على وجهه: "لا أملك سوى هذه الطائرة الورقية لألعب بها، أعطاني إياها صديق لي. الطقس هنا حار جداً، ودرجة الحرارة داخل الخيمة لا تطاق أيضاً".
في مثل هذه الظروف القاسية هناك الآلاف من الأطفال المجبرين على العيش في مخيم لا يزال يفتقر إلى أبسط أساسيات الحياة، وتلقي التعليم الجيد والرعاية الصحية.
ووفقاً لإدارة المخيم، توجد خيم كبيرة نسبياً كمدارس مخصصة لثلاث مجموعات، للمستويين الابتدائي والإعدادي، ويقوم نحو /1500/ مدرس ومدرّسة من سري كانيه بالإشراف على عملية التعليم، ويتلقى الأطفال التعليم باللغتين الكردية والعربية، إلا أنه تم تعليق العملية بسبب التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.
يقول أحمد بنبرة يعتريها الإحباط: "نتلقى تعليمنا في خيمة، لكنهم يعلموننا الأبجدية فقط".
يتذكر الطفل أثناء حديثه لـ "نورث برس" أنهم كانوا عند مدخل المدينة عندما بدأ الهجوم التركي، ويصف كيف أن إحدى إطارات سيارتهم عطب أثناء محاولتهم الهروب تجاه بلدة تل تمر أملاً في الوصول إلى مكان آمن، فاضطر والده حينها لإصلاحها بينما بقيت طائرتان حربيتان تحلقان في الأجواء.
ويضيف وهو يحاول ترطيب شفتيه المتشققتين: "لقد باع والدي سيارته حتى نتمكن من العيش، إنه لا يعمل الآن، وتعمل والدتي في الخياطة لإعالة الأسرة".
ويكثر في مخيم واشوكاني الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ /11/ و /12/ عاماً وهم يهتمون بآخرين أصغر سناً. فمحمد كان يحمل ابنة أخته البالغة من العمر تسعة أشهر حينما تحدثنا إليه وقال مبتسماً: "نحن جميعاً نعتني بها. إنها صغيرة جداً".
لكنه أضاف: "أفتقد مدرستي وأصدقائي في الحي كثيراً. أريد العودة إليهم واللعب مرة أخرى. أريد العودة إلى رأس العين".
هناك جانب من الحرب لا يعرف الأطفال عنه شيئاً، يتمثل في العجز والتشرد والحنين الذي ينتاب المرء لفترات طويلة، فبعد أن يتبدد دخان المعارك وتصمت البنادق، قد تجعلهم مشاعر الحزن العميقة عاجزين عن الكلام وهم يحاولون عبثاً أن يتذكروا كيف وقعت كل هذه المأساة والمعاناة في لحظة ما.
أثناء لقاءنا بفريال /12/ عاماً، وهي من أطفال ريف سري كانيه، كانت تبدو قلقة ويداها مشغولتان باللعب بالوشاح الذي يغطي رأسها ورقبتها. في هذا المخيم لا ترحم حرارة الشمس وجه فريال وباقي الأطفال.
واكتفت بالقول: "أمضي وقتي في مساعدة والدتي في جلب الماء من الخزان عند الحاجة".
وبحسب إدارة المخيم، فإن "خيام استقبال" إضافية تم نصبها، لكن من دون كهرباء، علاوة على ذلك، فإن الأرض في تلك المنطقة ذات طبيعة صخرية غير مناسبة لإنشاء المخيم، وكان من المفترض أن تتم تسويتها قبل إنشاءه، كما أن العديد من العائلات تضطر للعيش في نفس الخيمة الصغيرة، في كثير من الأحيان.
تقول ستيرا رشك، الإدارية في مخيم واشوكاني، وهي نازحة من مدينة سري كانيه: "طالبنا منظمات الأمم المتحدة بتقديم المساعدة، لكنها لم تستجب لنا، بالإضافة إلى ذلك لا تسمح الحكومة السورية بوصول أي نوع من المساعدة، ولا تعترف بالمخيم".
وأضافت لـ "نورث برس" "الحكومة السورية لا تعتبر دعم المخيم ضرورياً، لكونها تزعم أن نازحيه يمكنهم العودة ببساطة إلى منازلهم".
وقالت "رشك" إن المخيم غير محاط بسياج، "لأننا من أبناء المنطقة"، وسكان المخيم غير مقيدين بالإقامة، باستثناء فترة الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا.
ويؤثر غياب دعم الحكومة السورية وقلته من جانب المنظمات الدولية، بشدة على حياة النازحين اليومية، إذ يطالبون بتوفير الكهرباء، أو بتزويدهم بالمراوح على الأقل، للتخفيف من الحرارة الشديدة.
ويتم تزويد أجزاء من المخيم بالكهرباء بينما تُحرم أجزاء أخرى، علاوة على ذلك، تتزايد مشكلة الصرف الصحي بسبب تعطل الآليات بحكم طبيعة أرضية المخيم، التي تحتاج إلى تسوية، وما يزيد الطين بلة، أن تدفق النازحين لم يتوقف بعد.
ومع هذا الواقع المرير يبقى هؤلاء الأطفال هم الأكثر تأثراً، في وقت تغيب فيه الحلول، ويغيب معها أمل في مستقبل ينسيهم مرارة كونهم ضحايا حرب.