"سأعود مسرعة إلى تل أبيض".. نازحة في ديرك تروي معاناة عائلاتها مع النزوح
ديريك – سولنار محمد – نورث برس
في بيت متهالك، بحي "الشهيد خبات" في مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، تحمل النازحة حميدة محمود )35 عاماً( طفلتها الصغرى ذات الخمسة أشهر، وهي تتحدث بقلق عما ينتظرهم من مصير مجهول، فيما يتجمع حولها، خمسة آخرين من أطفالها.
وتواجه السيدة، المنحدرة من بلدة "عين العروس" التابعة لمدينة تل أبيض، صعوبات بالغة من أجل العناية بطفلتيها المريضتين وسط غلاء وظروف معيشية استثنائية منذ نزوحها مع عائلتها عقب هجوم تركي على المنطقة، تم بمشاركة فصائل المعارضة المسلحة التابعة لأنقرة في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت 2019.
ورغم أن النزوح قادها وزوجها إلى هذا المنزل في ديرك، إلا أنهما يعجزان الآن عن تأمين الاحتياجات المعيشية والطبية لأطفالهما الستة، وخاصة بعد غلاء الأسعار وانهيار قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي.
ويعمل زوج حميدة، حالياً، في مغسلة سيارات في المدينة مقابل أجر يومي يبلغ /3000/ ليرة سورية (ما يعادل حوالي /40/ دولاراً) شهرياً.
نزوح
تقول حميدة لـ"نورث برس": "كنا نسكن بمنزل آجار في بلدتنا عين العروس، وكان وزوجي يعمل على آلة (مكبس) في معمل للبلوك واشترينا شاحنة بالشراكة مع شخص آخر، كان زوجي يوصل بها الطلبات للزبائن".
وتتحدث السيدة أنهم كانوا سعداء حينها، فأولادها كانوا يذهبون إلى المدرسة، كما أنهم كانوا يشعرون بالراحة والأمان بين أهلهم وناسهم، حسب تعبيرها.
لكن أحوال العائلة ساءت بعد أن تركوا كل شيء خلفهم، حتى الشاحنة التي كانوا يملكون نصفها، "عندما خرجنا لم نجلب معنا شيئاً, لا ألبسة أولادي ولا الشاحنة بسبب الخوف من اتهامنا بالتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية، هربنا دون أخذ أي شيء".
وكانت العملية العسكرية التي شنتها القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في مناطق رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض/ كري سبي، شمال شرقي سوريا، قد تسببت بنزوح /300/ ألف شخص من تلك المناطق، وفق إحصائيات الأمم المتحدة وبعض المنظمات الحقوقية الدولية.
حالات صحية خاصة
وعلى الرغم من تواضع المنزل الذي تقطنه حميدة وعائلتها، إلا أنهم يدفعون إيجاره شهرياً مبلغ /20/ ألف ليرة سورية لصاحبه الذي "ينوي رفع الآجار أيضاً".
"في الشتاء تدخل الأمطار إلى الداخل وفي الصيف تنزل الأتربة فوق رؤوسنا، لقد انكسر اثنان من الأعمدة التي تحمل السقف الطيني"، بهذه الكلمات تلخص النازحة حال منزلها في ديرك.
ولا تقتصر معاناة العائلة على عدم صلاحية المنزل، فلديها طفلتان تحتاجان لرعاية صحية وغذائية، الأولى عمرها خمسة أشهر ولدت في الشهر الثامن، بسبب الخوف الذي عاشته الأم أثناء الهجمات التركية، "أخبرني الأطباء حينها أنها لن تعيش ووضعوها في الحاضنة الزجاجية, لم أصدق أنها عاشت".
وتتابع الحديث عن حالتها: "تعاني من سوء تغذية فهي بحاجة إلى نوع خاص من الحليب أوصى بها الطبيب, في البداية جلبت لها عدة علب كان سعر الواحدة منها قبل شهر /3500/ ليرة، لكنه ارتفع فيما بعد إلى /5.600/ للعلبة الواحدة، ولم يعد بمقدوري أن أشتريها، أعتمد الآن على اللبن والشاي لإطعامها".
وتعاني الطفلة الثانية، وهي في عمر الخامسة، من مرض الربو، وتحتاج لجهاز تنفس تقول الأم إنهم لا يملكون ثمنه الغالي، "في تل أبيض كان لها جهاز للأوكسجين تستخدمه حين تنتابها نوبة الربو ولم نتمكن من جلب الجهاز معنا، أما الآن فنعتمد على شراب موسع للقصبات والذي لم يعد بمقدورنا أيضاً شراءه بسبب ارتفاع أسعار الأدوية مؤخراً".
مساعدات لا تكفي
وتقول حميدة إن المنظمات المحلية والإنسانية الدولية لم تقدم لهم المساعدة، "سوى بطانيات وإسفنجات عند مجيئنا ولمرة واحدة".
ويصل عدد العوائل النازحة من مدينتي سري كانيه وتل أبيض في ديرك إلى /110/ عائلات، في حين توجد /90/ عائلة مهجرة من عفرين و/90/ أخرى من كوباني من أيام هجوم تنظيم "داعش" على المدينة، بينما يبلغ عدد العائلات النازحة من مناطق الرقة ودير الزور وحلب أكثر من /300/ عائلة في المدينة وريفها، بحسب إحصاءات مكتب شؤون المنظمات في ديرك.
وقال مدير مكتب شؤون المنظمات في ديرك، شنكين عمر، لـ"نورث برس"، إن سبب التقصير يعود إلى عدم تلبية المساعدات التي يتم توزيعها لاحتياجات النازحين وأعدادهم، مشيراً إلى أن ما تقدمه المنظمات الإنسانية في ديرك لا يغطي حتى /50/ بالمئة من احتياجات نازحي سري كانيه وتل أبيض وحدهم.
وأوضح عمر، أن /90/ بالمئة من المساعدات المقدمة من قبل هذه المنظمات، يجري توزيعها في المخيمات، في حين يتم الوصول للنازحين ضمن المدينة عن طريق المجالس المحلية "الكومينات" التي تزودهم بجداول توضح أسماء النازحين ومناطق نزوحهم.
يستمر الأطفال متحلقين حول أمهم وهي تسرد بشجون ما عصف بحياتهم الهادئة ليصبح مستقبل أبنائها مجهولاً، لكنها تصر على التمسك بحلم العودة.
"في اليوم الذي سيخبرونني أن تل أبيض تحررت، سأترك كل شيء خلفي وأعود مسرعة نحوها".