من هاوٍ إلى محترف يتطلع للعالمية.. قصة إبداع لاعب بلياردو من القامشلي

القامشلي – ريم شمعون/ شربل حنو – نورث برس

 

في قبوٍ لا تدخله الشمس وسط مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، يقضي كبرئيل يوسف (19 عاماً) وسط إضاءة خافتة عدة ساعاتٍ من نهاره في ممارسة لعبته المفضلة "البلياردو" والتي بدأ ممارستها منذ أعوام كهاوٍ مبتدئ ليتابعها الآن بدقة واحترافية بهدف الوصول إلى العالمية.

 

كغيره من الشباب، كان يقضي الشاب السرياني في صغره كثيراً من وقته لمتابعة لعبته على الإنترنت وتجربتها مع رفاقه في صالات مدينته القامشلي، ليتمكن بعد هواية استمرت ثمانية أعوام من اللعب باحترافية وتعلم خدع وطرق كثيرة جعلت منه لاعباً مميزاً.

 

بداية مع اليوتيوب

 

وبدأت حكاية تميّز كبرئيل يوسف منذ أن كان في الصف السادس الابتدائي، لم يكن حينها يملك أي فكرة عن اللعبة سوى ما يشاهده على شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت، حيث ارتاد مع رفاقه إحدى صالات المدينة التي تحتوي على طاولات بلياردو ليتدرب ويتعلم قواعد ومهارات اللعبة.

 

يقول لـ "نورث برس" وهو جالس بجانب طاولته: "شعرت أنني أقدم شيئاً مميزاً عندما ألعبها، أردت تجربتها وتعلمها، وازداد اهتمامي بها أكثر بعد تشجيع تلقيته من عائلتي وأصدقائي".

 

وكانت منصات الإنترنت وأبرزها موقع "يوتيوب" الشهير وسيلة مساعدة لتطوير مهارات " كبرئيل" وإظهار غرابة وجمال لعبة "البلياردو"، كونه لم يتلقَّ أي تدريب خاص باللعبة في المنطقة، "بدأت بالبحث عبر اليوتيوب لأشاهد أبطالاً عالميين، وأتابع مباريات ومهارات عالمية".

 

تجاوز عقبات

 

ولم يكن "كبرئيل" في البداية يملك أي أدوات خاصة بـ "البلياردو" ولم يتلقَّ تدريباً متخصصاً على اللعبة، بل استمر في تدربه الذاتي في صالات القامشلي لعدة سنوات.

 

وبعد مثابرة خمسة أعوام من التدريب، لمدة أربع ساعاتٍ متواصلة في اليوم الواحد، دعمته عائلته ليشتري طاولة "بلياردو" خاصة به بعد رؤية مدى تعلق الابن باللعبة وتطور مهاراته.

 

"كنت أواجه صعوبة كبيرة أثناء ممارسة اللعبة، فقد كنت أقضي وقتاً طويلاً خارج المنزل، فقام أهلي بمساعدتي ودعمي بالإضافة لما ادخرته سابقاً، فاستطعت شراء طاولة بلياردو مستعملة من أحد أصدقائي".

 

وحوّلت العائلة قبو منزلها إلى صالة تدريب خاصة للابن الذي يطمح لتطوير مهاراته وتحقيق أحلامه، "أطمح للوصول إلى العالمية، أعلم أن هذا الطموح صعبٌ، ولكنني متأكد أنه بالتعب والجهد أستطيع تحقيقه".

 

ويختص "كبرئيل" بما يعرف بـ "الخدع" بلعبة "البلياردو" ولهذا المجال عصي خاصة، فكل خدعة تحتاج لعصا معينة، ليستطيع تنفيذ حركات ومهارات مختلفة، بحسب قوله.

 

"يصعب إيجاد أنواع العصي المطلوبة في سوريا، فأقوم بطلبها عبر أقارب لي مقيمين في دول أوروبا وأمريكا، وهي تأخذ وقتاً طويلاً لتصل إلى سوريا".

 

 

"القدوة يمنحك الطموح"

 

يقول كبرئيل إن لكل شخصٍ ناجح في مجاله قدوة معينة، كما يمكن أن يصبح هو قدوة لغيره فيما بعد، "فأنا أتابع الكثير من أبطال العالم في مجال البلياردو، ولم أكن أتصور أني سأكون لاعباً يحترف الخدع من خلال مشاهدتي لهم".

 

من بين لاعبين كثيرين ممن يتابعهم بشكل دائم، يفضل مشاهدة ومتابعة نشاطات اللاعب الأمريكي الشهير، الفرنسي الجنسية، فلوريان كولر.

 

ويضيف: "عندما يكون لديك قدوة سيكون لديك طموح بأن تصبح مثله، وأنا قدوتي في اللعب هو بطل العالم لعشر مرات في خدع البلياردو، فلوريان كولر".

 

ولم يقف ابن القامشلي، متفرجاً فقط على مهارات "كولر"، بل حاول التواصل معه أكثر من مرة، وإرسال أشرطة فيديو خاصة بلعبه إلى بطله المفضل ليشاهد مهاراته، وقد حالفه الحظ من خلال رد الأمريكي الشهير على رسائله الخاصة.

 

"تواصلت مع فلوريان كولر عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، لم أكن أتخيل أنه سيقوم بالرد على رسائلي، لكنه فاجأني برده، وقام بتشجيعي على متابعة ما أقوم به".

 

ونشر "كولر" في وقتٍ لاحق للتواصل معه، شريط فيديو لـ "كبرئيل" وهو يقوم ببعض الخدع على طاولة البلياردو الخاصة به في القامشلي، وكان هذا "تحقيقاً لحلم"، حسب تعبير اللاعب الشاب.

 

دعوات عالمية وأحلام للمستقبل

 

وعقب تميزه في اللعب، تم دعوته لحضور بطولة العالم للخدع في الولايات المتحدة الأمريكية والتي أقيمت في /18/ تشرين الأول/ أكتوبر عام 2018، كما تمت دعوته لبطولة محلية في الصين أيضاً بمشاركة أبطال عالميين في الخدع.

 

 لكنه لم يتمكن من تلبية الدعوتين، "بسبب الأوضاع العامة في سوريا وخاصة ما يخص تأشيرات السفر، لم أستطع المشاركة".

 

ويدرس "كبرئيل"، حالياً، في السنة الأولى بمعهد "التعويضات السنية" في مدينة حلب، وهو مهتم بدراسته، لكنه يرى أن تقدمه في هوايته سبق نجاحه الدراسي، فقد أنشأ حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لينشر عليها فيديوهات وصور خاصة به تشمل طرقاً مدهشة وأساليب مبتكرة للخدع.

 

يقول اللاعب الشاب والبسمة تعلو شفاهه: "لعبة البلياردو أهم من الدراسة بالنسبة لي، وأهلي لا يعارضونني بشيء عندما يتعلق الموضوع بلعبي وتمضية وقتي في مجال هوايتي".

 

ولم يحظ "كبرئيل" كما حال العديد من المبدعين في مجال الرياضة في سوريا بأي دعوة رسمية من الاتحاد الرياضي العام وهي منظمة حكومية تعتبر السلطة الرياضية الأعلى في سوريا.

 

وينتظر بفارغ صبره أن تتوجه له دعوة من "الاتحاد" للمشاركة في بطولات محلية ودولية، "لم تتم دعوتي لحد الآن لأي بطولة، وأتمنى أن أشارك في تمثيل بلادي في بطولات محلية وعالمية".

 

وبحسب رأيه، يعود السبب في هذا الإهمال إلى ضعف الاهتمام بألعاب "البلياردو" في سوريا، وكذلك تعذّر تواصله مع الجهات المسؤولة.

 

وفي صالته الخاصة داخل القبو، بدأ "كبرئيل" مؤخراً بتدريب عدد من اصدقائه على مهارات اللعبة، حيث بات كثيرٌ منهم يبدون اهتماماً كبيراً باللعبة بعد تطور ملحوظ شاهدوه في أداء صديقهم.

 

ويعتبر الشاب كبرئيل يوسف عائلته وأقاربه وأصدقائه مشجعين وداعمين لتطوير مهارته ومتابعة سيره لتحقيق طموحاته.