فاقد للبصر ولكنه نافذ البصيرة.. طالب يتحدى إعاقته بتفوقه ومواهبه

القامشلي – ريم شمعون/ شربل حنو – نورث برس

 

في الساعة الرابعة إلا عشر دقائق من كل يوم يمر نارمسين حانون، بصديقه كبرئيل ليذهبا سوية إلى دوراتهم التعليمية الخاصة، ويكون مرشداً له في طريقه، لأن وضع صديقه لا يسمح له أن يأخذ دورات تعليمية في المعاهد ومع مجموعة من الطلاب، فهو يحتاج لأسلوب خاص يعتمد على السمع فقط ليتعلم دروسه.

 

يقتبس كبرئيل شابو، ذو /17/ ربيعاً، جملة من الإنجيل "كل شخصٍ سيأخذ أجره بحسب تعبه"، ليختصر خلالها ما عاناه من صعاب وما وصل إليه اليوم، فهو لا يرَ بعينيه، لكنه وصل إلى مرحلة متقدمة من دراسته وتعلم العزف على آلة الأورغ وهو "خادم" في كنيسة السريان الأرثوذكس في القامشلي.

 

الآن وبعد القرار الوزاري الذي أصدرته وزارة التربية السورية بتاريخ 3\5\2020 بنقل كل طلاب المرحلة الانتقالية إلى الصف الأعلى، معتمدين على علاماتهم في الفصل الأول، نجح كبرئيل إلى الصف الثاني عشر، ويستعد للدراسة لخوض امتحانات الشهادة الثانوية بفرعها الأدبي السنة المقبلة.

 

محاولة للعلاج

 

تقول نعيمة برصوم (54 عاماً)، وهي والدة كبرئيل: "ولد ضريراً، فهو فاقد للبصر بشكل كامل في عينه اليمنى، أما عينه اليسرى كان يرى بها بنسبة ضئيلة، ولكن مع مرور الأعوام أجرينا له عملية جراحية بسبب ظهور كيس ماء عليها، وبعد العملية بدأ كبرئيل يرى الأشياء المتحركة فقط ولكن كخيال".

 

حاولت العائلة متوسطة الحال متابعة وضع ابنها الوحيد والذي ولد بعد ثلاث فتيات، ولكن دون جدوى، حيث كان الأطباء يقولون إن حالته لا علاج لها، فهي حالة خلقية مترافقة مع الولادة ولا علاج لها.

 

ويعتمد الشاب على سمعه في عملية حفظ دروسه وأداء واجباته، ويقول لـ"نورث برس": "بدأتُ دورات تعليمية خاصة من أجل الشهادة الثانوية، وبما أنني لا أستطيع الرؤية فأنا أعتمد على الحفظ، حيث تردد لي المعلمة الفقرات في الدورة، وعندما أعود إلى المنزل تكررها والدتي لي لأستطيع تذكرها وحفظها، وأحياناً أخرى أقوم بتسجيل دروس الدورات على جهاز الآيباد الخاص بي لأستطيع سماع الدروس باستمرار".

 

ويتميز كبرئيل بقدرته على الحفظ بعد ترديد الكلام أمامه عدة مرات، فتقول والدته إن الله يأخذ القدرة من جانب ولكنه يهب غيرها، ابني فاقد للبصر ولكنه منفتح البصيرة، فهو يحفظ الجمل والأمثلة والدروس بشكل سريع، وبالنسبة للأمكنة والشوارع فيحفظها من المرة الأولى التي يمر بها.

 

وتشرح الوالدة حالة ابنها بمشاعر مختلطة من الحزن والسعادة، فهي حزينة عليه لأن حالته لا علاج لها بحسب الأطباء، لكنها تفرح لرؤيتها له وهو يكمل دراسته وحياته كما لو أنه لا يعاني من احتياجٍ ما.

 

وكان الطالب قد أنهى المرحلة الإعدادية بتفوق وحصل على مجموع /264/ من /310/، حيث كان هذا المجموع يخوله لإكمال دراسته في المركز الوطني للمتميزين في محافظة اللاذقية، ولكن بعد معرفة وضع بصره لم يقبلوا التحاقه بالمركز.

 

تعرض للتنمر

 

تقول والدته "في بداية التحاقه بالمدرسة من المرحلة التحضيرية، عانى ابني من السخرية المستمرة من قبل زملائه في الصف، بسبب وضع بصره".

 

كانوا يرددون على مسامعه، "جاء الأعمى.. انتبهوا إلى الذي لا يرى (..)"، والعديد من المضايقات التي كان يتعرض لها في المدرسة أو الشارع.

 

تضيف أن ابنها عانى كثيراً من الناحية النفسية في بداية الأمر، لكنه استطاع التغلب على هذه الأمور فهو "شخص متصالح مع نفسه"، "استطاع أن يُقنع محيطه أن يتقبلوه كما هو، وكوّن صداقات كثيرة، وله صديق من أيام المرحلة التحضيرية لم يفارقه إلى اليوم".

 

تعلم العزف خلال فترة الحجر المنزلي

 

استغل كبرئيل فترة الحجر المنزلي والإجراءات الوقائية المتخذة بسبب كورونا، بالبحث عن أمور جديدة لتعلمها، فبدأ بالبحث عبر جهازه الآيباد الذي يستخدمه عن طريق التسجيل الصوتي، عن دروس سماعية لتعلم العزف على آلة الأورغ، وهو يعزف الآن على أورغه الصغير.

 

يبتسم وهو يسمع لأخته الوسطى "أورنينا" تقول: "كنت أسمع بعض الدندنات من غرفة كبرئيل، لكنني لم أتوقع أنه بدأ بتعلم العزف على آلة الأورغ".

 

"عندما يحب الشخص شيئاً ما، لن يستطيع الاستمرار فيه إن لم يلق التشجيع المطلوب من محيطه، أو كلمة ترفع له معنوياته، أهلي وأصدقائي ساندوني في تعلم العزف على الأورغ".

 

إضافة إلى هذه الأمور، فإن كبرئيل شماس (خادم) في كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس في القامشلي، وهو مواظب على حضور الصلوات اليومية مع والده الذي يصطحبه إلى الكنيسة، حيث تعلم جميع الصلوات وألحانها، ويرددها بشكل جيد.

 

ومع عودة فتح الكنائس بقرار من مطرانية الجزيرة والفرات في الـ/17/ من أيار/ مايو الفائت، عاد كبرئيل لحضور الصلوات وترديد الترانيم، ويقول مقتبساً من الإنجيل "تحب الرب إلهك من كل قلبك وكل فكرك"، مفسراً هذا القول بأنهّ على الإنسان أن يذكر الله في قلبه وفكره كل يوم، وليس فقط بحضوره الصلوات ودخوله الكنيسة.

 

يتميز كبرئيل بروحه المرحة في المنزل، فالبسمة لا تفارق وجهه، ولا يبخل في صنعها على وجه عائلته، ولا يخلو حديثه من الأمثلة والعبارات الطريفة.

 

ويقول" "كل إنسان ناجح في حياته ولكنه قد يعاني من نقص ما أو يتعرض لبعض العقبات، لكن عليه ألا يستسلم لها وألا يفقد الأمل وأن يصر على أهدافه ويستمر في العمل على تحقيقها".