القامشلي – شربل حنو – نورث برس
اعتاد المارّة في شارع الجامع الكبير وسط مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، على شمّ رائحة البن في ساعاتٍ مبكرة من الصباح وهي تفوح من إحدى عبّارات السوق الشعبي منذ ثلاثة عقودٍ، يعمل على طحنها السبعيني "متين كوزا" وابنه صبري في محمصةٍ صغيرة تغلب عليها المواصفات الشعبية.
وبدأت حكاية "كوزا"، وهو من سريان القامشلي، في صناعة البن منذ العام 1991، برأس مال صغير وكمية بن لا تتجاوز مئة كيلوغرام وآلة طحن واحدة فقط، في محمصته المتواضعة "كولجان" وكان برفقته ابنه صبري الذي لم يتجاوز حينها /14/ عاماً.
وتشتهر منطقة الجزيرة، شمال شرقي سوريا، بمهن وصناعات متنوعة بعضها بدأت منذ عقود بمعدات بدائية, وتوارثها السكان من أجدادهم ونقلوها لأحفادهم.
وفي محمصته الصغيرة التي تملأ جدرانها أسماء وعبارات وتواريخ تعود لأشخاص عملوا فيها وتركوا وراءهم ذكرياتٍ شيقة، تمكن متين كوزا وابنه صبري من صنع خلطة بن "جيدة" ساعدتهم في كسب عدد كبير من الزبائن في وقتٍ قصير.
ويقول "صبري" وهو يلامس تلك الجدران القديمة: "تلك الأسماء عملت هنا وتركت بصمة في المحمصة، لن ننسى كلّ اسم ترك ذكرى له هنا، المحمصة صغيرة بحجمها لكنها استقبلت الكثير من العمال الذين يتذكرونها أينما وجدوا".
ويضيف لـ "نورث برس" إن حكاية نجاحهما بدأت بمعدات بسيطة جداً، لكنهما تمكنا من صنع "خلطة سحرية" لا يعرف سرها سواهما، على حدّ تعبيره.
ويعتمد "كوزا" الابن على معدات لتحميص البن في محله بالقامشلي، بدلاً من شراء البن المحمّص جاهزاً من مدينة حلب السورية، الأمر الذي ساعده في إظهار مهارته بشكل أكثر دقة وجودة.
ويتابع "صبري" الذي تجاوز حالياً /40/ عاماً: "يصلنا البن أخضراً، ونحن نعمل على تحميصه هنا وطحنه ومن ثم بيعه، فقد باتت خلطتنا مرغوبة لدى السكان وكسبنا في وقتٍ قصير عدد كبير من الزبائن".
ويقف الأب مشرفاً على سير العمل، وللتأكد من صيانة ورفع كفاءة الآلات الموجودة في المحمصة كونه يتقن كل ما يخص هذه المهنة رغم بلوغه الـ/70/ من عمره.
أما الابن فلا يخفي فخره بوالده ومجهوده، "أبي يتقن كل التفاصيل المتعلقة بهذا العمل، بالرغم من كبر سنه، لذا لا نحتاج أحداً من محلات الصناعة لصيانة الأعطال".
وأثرت الحرب في سوريا بشكل كبير على مختلف الحرف التي كانوا يمتهنها سكان المنطقة، حيث هاجر الكثير من الحرفيين وأصحاب المهن إلى الخارج ، لكن عائلة "كوزا" لم تفكر في الاستقرار خارج سوريا.
بالنسبة لـ "متين كوزا" وابنه، كان التأثير مغايراً مع بداية الحرب في سوريا، بسبب توقف حركة التجارة بين شمال شرقي سوريا ومناطق الداخل السوري، ما دفعهما لاستخدام طرق تجارية أخرى وتأمين المواد الخام اللازمة من تركيا، وهو ما أثر سلباً على تكاليف الإنتاج.
يملك "كوزا" الآن في محله "كولجان" أربع آلات طحن ومحمصة كبيرة للبن، بعد توسيع رقعة العمل وتشغيل أشخاص آخرين للعمل، نتيجة الطلب الزائد على المنتج.
وتبدو محمصة "كولجان" محلاً صغيراً إلا أنها وبعد ثلاثة عقودٍ من الجهد والعمل والاتقان، تسوّق إنتاجها من البن إلى كافة مناطق شمال شرقي سوريا بدءاً من ديريك وصولاً إلى مدينة كوباني.