في الرقة.. مهنة صناعة الفراء تحافظ على وجودها رغم تراجع الإقبال

الرقة – نورث برس

على الرغم من تراجع الإنتاج بسبب ضعف الإقبال على اقتناء فراء شتوية تكاد تنفرد في إنتاجها مدينة الرقة شمالي سوريا، إلا أن من بقي من ممتهني هذه الحرفة يجاهدون في سبيل الحفاظ عليها من الاندثار.

ففي ورشة صغيرة جداً بأحد أحياء الرقة التي لا تزال آثار ما دمّرته الحرب شاهدةً على معارك طاحنة جرت فيها خلال الأعوام السابقة، يعمل أحمد المحمد (45 عاماً) بأدوات بسيطة في تنظيف فراء الخراف ودباغة جلودها ليقوم بإرسالها لاحقاً إلى الخياطة آخر مراحل الإنتاج.

وتشتهر مدينة الرقة بصناعة هذا النوع من الكسوة الشتوية والتي تعرف محلياً بـ(الفروة).

وأُخذت هذه التسمية من الجلد الطبيعي المكسو بالصوف وهو المكوّن الأساسي الذي يدخل في عملية التصنيع.

والورشة التي يعمل بها “المحمد” هي واحدة من بين أربع ورش منتجة حالياً من أصل عشر ورش كانت تمتهن هذه الحرفة في المدينة.  

ويعمل “الفرواتي”، كما يسميه السكان المحليون، في هذه المهنة منذ أكثر من /20/ عاماً، ويشير إلى أنه ورثها عن والده.

ويقول “المحمد”: “نقوم بجمع الجلود الصالحة لصناعة الفروة من القرى المحيطة بالرقة أو من التجار، ولكلِّ فروة ثمنها الخاص بحسب جودتها.”

مراحل وجهد

وللحفاظ على الفراء والجلد من التسوّس، يتّبع الصنّاع عدة خطوات تبدأ برش الجلد بالملح ومادة تعرف محلياً بـ(الشب) ثم يقومون بلفه، وتركه عدة أيام لضمان عدم تساقط الصوف عن الجلد.

ومن ثم يقومون بتجفيفه من خلال تعريضه لأشعة الشمس، وتتم هذه الآليات قبل مرحلة تنظيف الجلد من الأوساخ والدهون العالقة.

“بعد عملية تجفيف الجلد، نقوم بنقعه في الماء وغسله بشكل جيد ليصبح طريّاً وجاهزاً للعمل عليه.”

ومن خلال الخطوات السابقة بالإضافة إلى خطوات أخرى يصلون بالجلد إلى درجة من “النظافة والطهارة” بعد إزالة بقايا اللحم والدهون والرائحة، ليصبح جاهزاً للحياكة.

وتتم عملية الحياكة بإكساء الطبقة الخارجية بقماش مطرّز بأشكال مختلفة لإضفاء الجمالية على “الفروة”.

وتُعتَبَرُ فروة الصوف رمزاً تقليدياً لسكان الرقة والمناطق الشمالية والشرقية في سوريا، لا سيما لدى كبار السن. لكن ارتفاع أسعارها بالتزامن مع انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية حرم كثيرين من اقتنائها.

ويصل سعر أرخص أنواع الفراء إلى /٧٥/ ألف ليرة سورية، وغالباً ما يرتدي هذا النوع “رعاة الماشية”، وتكون ذات جودة أقل مقارنةً مع غيرها.

ويصل سعر القطعة الفاخرة المصنوعة من فراء الخراف الصغيرة التي لا تتجاوز أعمارها شهرين إلى أكثر من مليون ومئتي ألف ليرة سورية، ولا يتمكن من اقتنائها إلا أصحاب الدخل المرتفع وشيوخ العشائر.

تراجع الإقبال

وشهدت صناعة الفراء تراجعاً ملحوظاً خلال العامين الماضيين بسبب انتشار الفراء المبطّنة بالصوف الصناعي في الأسواق.

وقال “المحمد”: “لقد أثّر ظهور الفروة الصناعية على مهنتنا، فسعر الفروة الصناعية لا يتعدى /٥٠/ ألف ليرة سورية، لذلك لم يَعُد أحد يُقبِل على شراء الفراء الطبيعية إلا أصحاب الدخل المرتفع.”

وفي سنوات ما قبل العام 2011 واندلاع الحرب في البلاد، كانت الرقة تصدِّر الفراء إلى العديد من الدول العربية مثل الأردن والسعودية واليمن.

لكن وبعد اندلاع الحرب، توقفت عمليات التصدير بسبب إغلاق الطرق وتعاقب سيطرة أطراف مختلفة على المدينة، لا سيما أثناء سيطرة تنظيم داعش في العام 2014.   

وقال سعيد العلي (٥٢ عاماً)، والذي يملك محلاً لبيع الفراء بمختلف أنواعها الصناعية منها والطبيعية في شارع القوتلي وسط الرقة: “يكثر الطلب على شراء الفروة قُبيل وأثناء الشتاء.”

وأضاف أن الإقبال يكون بشكلٍ خاص من قِبل سكان الريف، ومن يعملون في تربية المواشي، فهناك أنواع كثيرة، “منها ما تستخدم للتدفئة فقط، بينما يُشترط في أخرى جانب الزينة أيضاً.”

وأشار “العلي” إلى أن مربّي الماشية يقتنون عادةً الفراء الصناعية رخيصة الثمن، “بسبب ارتفاع أسعار الطبيعية.”

وقال صالح المحمد (٥١ عاماً)، وهو من سكان قرية حزيمة شمال الرقة، إنه يستخدم فروة الصوف في الشتاء، “فهي لباس تقليدي أستخدمه منذ أكثر من /٣٠/ عاماً.”

وأضاف: “لدي فروة من الجلد الطبيعي. فأنا مربّي أغنام وقد جمعت جلود الخراف الصغيرة وأتيت بها إلى الفرواتي الذي صنع لي منها فروة أرتديها للزينة.”

إعداد: أحمد الحسن – تحرير: حكيم أحمد