سالي وريما… فتاتان تشقان طريق الحياة مجدداً بعد اختطافهما بريف اللاذقية

اللاذقية – نورث برس

 

سالي وريما يافعتان تحلمان بحياة كريمة وهادئة بعيداً عن الحرب بعد ما عانتاه من آثار مؤلمة لخطفهما على يد عناصر فصائل مسلحة تابعة للمعارضة السورية وقتل عدد من أقاربهما أمام أعينهما قبل سبعة أعوام، حيث تقضيان الآن حياة رتيبة مع أفراد من عائلتيهما.

 

ولم تتمكن الفتاتان التي تجمعهما صلة القرابة حتى الآن نسيان مشاهد القتل في ريف اللاذقية والاتهامات التي واجهتاها خلال الخطف على يد الفصائل المسلحة وهما لا تزالان طفلتين بعمر العاشرة آنذاك.

 

ففي الرابع من آب/ أغسطس عام 2013 اجتاحت فصائل "الجيش الحر" ومجموعات "جهادية" أكثر من عشر قرى في ريف اللاذقية الشمال الشرقي في معركة أطلقت عليها آنذاك "معركة عائشة أم المؤمنين"، وارتكب عناصرها آنذاك عمليات قتل بحق المدنيين وخطف الأطفال والنساء، ما أدى إلى نزوح سكان تلك القرى إلى مدينة اللاذقية والمنطقة الساحلية.

 

ورغم أن القوات الحكومية استرجعت تلك القرى في 18 آب/ أغسطس 2013، إلا أن حل قضية المختطفين بقيت حتى العام 2017.

 

أصوات ومشاهد

 

وكانت سالي سليم (17 عاماً) قد عادت في العام 2017 لمنزلها في بلدة "الحمبوشية" بناحية صلنفة، بعد غياب أربع سنوات وأصوات الصراخ ودوي إطلاق النار على أمها لا تزال تسكن أذنيها.

 

تقول لـ"نورث برس": "لا يزال مشهد دخولهم إلى منزلنا يتراءى أمامي، أسمع صوت صراخ أمي عندما أطلقوا عليها النار، أخرجونا نحن الأطفال وقتلوا جميع من في المنزل".

 

وكانت سالي من الأطفال المخطوفين ضمن مجموعة تضم مئتي مدني غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، وبقيت في السجون لمدة ثلاثة أعوام ونصف، إلى أن خرجت بعد مفاوضات عملت عليها الحكومة السورية لإخراجهم عام 2017، مقابل الإفراج عن معتقلات من المعارضة في سجون الحكومة السورية.

 

تعذيب

 

أما ريما سليم (17 عاماً) فلها قصة مغايرة لابنة عمها سالي، فقد تعرضت لطلق ناري في كاحلها عندما هاجموا منزل أهلها وقتلوا والديها.

 

خطفوها مع أخيها علاء الذي كان بعمر الثامنة من منزلهما في بلدة "أبو مكة" المجاورة لبلدة الحمبوشية التي يسكنها عمهما مع عائلته، وبقيا في الأسر لمدة ثلاث سنوات ونصف، حتى عودتهما ضمن صفقة التبادل التي أجرتها الحكومة السورية بإشراف الهلال الأحمر السوري مع "المؤسسة العامة لشؤون الأسرى" التابعة للمعارضة.

 

تقول ريما: "أخذونا إلى منطقة سلمى ثم إلى مناطق أخرى، شاهدنا عند وصولنا العشرات من النساء مع الأطفال، منهم أقاربنا والبعض الآخر من القرى المحيطة بقريتنا".

 

فقد دأبت الفصائل على تغيير أماكن انتشارها من ريف اللاذقية إلى مناطق سيطرتها بريفي حماة وإدلب.

 

تحدثت "ريما" عن التعذيب الذي كان المختطفون يتلقونه من جلد وضرب وتعذيب، فحتى أخوها تعرض للتعذيب والضرب رغم صغر سنه لأنه صرخ بالمسلحين وشتمهم.

 

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر في تشرين الأول / أكتوبر 2013، إنها جمعت أسماء /190/ مدنياً قُتلوا على يد فصائل المعارضة في هجومها على تلك القرى، بينهم /57/ سيدة وما لا يقل عن /18/ طفلاً و/14/ رجلاً مسناً، بينما نشرت وسائل إعلام محلية عن استقبال مستشفى اللاذقية الوطني /205/ جثث لمدنيين قتلوا إثر الهجوم.

ووفق تقرير المنظمة الحقوقية المعنون بـ "دمهم مازال هنا" فإن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجيش المهاجرين والأنصار، قادا هجوم المعارضة، وإن جميع عمليات القتل غير المشروع هذه كانت بحق مدنيين غير مقاتلين كانوا يحاولون الفرار.

العودة

 

فك أسر الفتاتين تم خلال عملية تبادل للأسرى جرت في منطقة "قلعة المضيق" في الجهة الشرقية من سهل الغاب بحماة في شباط/فبراير 2017، حيث قال عضو مجلس الشعب سمير الخطيب، وكان أحد الذين فاوضوا بالعملية، إنه "وبعد جهد طويل من المفاوضات والتي كانت عقيمة في بعض المراحل نظرا لتنصل الجهات المفاوضة من التزاماتها، بالإضافة للخلافات الحادة التي سادت بين الخاطفين على بنود الاتفاق، فكل فصيل كانت له مطالبه الخاصة، ما أخر تحرير المخطوفين".

 

وأضاف لـ "نورث برس"،: "بعد تعثر سنوات، تمكننا من تحرير الأسرى وتمت عملية التبادل الذي جرى بمتابعة وإشراف من الهلال الأحمر السوري، وأنهينا بذلك ملف مختطفي ريف اللاذقية".

 

وتولت مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة السورية تأهيل الأسرى بعد وتقديم الدعم لهم ومساعدتهم على العودة لقراهم التي استرجعتها قوات الحكومة السورية بعد /14/ يوماً من الهجوم.

 

أمل

 

لم تكن الفتاتان تصدقان إمكانية العودة لمنزليهما، لكنهما الآن تعيشان مع ذكريات أليمة فقدتا فيها أقرب الناس لهما، وكثيراً ما تتكرر أمامهما مشاهد الهجوم والقتل ويعود لآذانهما صوت الرصاص، حسب ما تحدثتا لـ"نورث برس".

 

تقيم سالي الآن مع والدها في قريتها، وتحاول التأقلم، حيث تتولى أمور المنزل بعد غياب والدتها وقد عادت لمتابعة دراستها، وتقول: "أفتقد أمي كثيراً، وأحاول أن أتابع حياتي رغم ما شهدته، وأحمد ربي أن بعض أقربائي لا يزالون حولي".

 

أما ريما فتقيم مع جدتها وأخيها الصغير، وتتابع دراستها، وتواظب مع سالي على حضور دورات الدعم النفسي التي تقيمها مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل الحكومية والتي تكفلت بمصاريف دراستهما حتى بلوغهما سن الثامنة عشرة.