شكري خليل.. مهاجر عاد لمنزله في كوباني بعد هجرته إلى ألمانيا
كوباني- نورث برس
يجلس شكري خليل (35 عاماً) أمام منزله في حي مكتلة في كوباني شمالي سوريا، ويتذكر أسباب عودته من ألمانيا مقارناً بين الحياة هنا وهناك.
يبدو “خليل” مقتنعاً بخطوته الجريئة وعودته لرعاية والدته الوحيدة.
وفرضت الحرب على ملايين السوريين اللجوء والهجرة إلى دول الجوار والدول الأوروبية، لكن بعضهم لم يستقروا في البلدان الجديدة، وآثروا العودة إلى مسقط رأسهم.
بدأت القصة في العام 2011 مع بدء الاحتجاجات في سوريا وتحولها لاضطرابات في الأوضاع المعيشية والأمنية، فكانت وجهة “خليل” الأولى نحو المغرب.
في المغرب، عمل خليل مع شقيقه، الذي كان قد سبقه إليها، في حفر الآبار لنحو عامين.
“الإنسان الآلة”
وفي العام 2014، مع بدء “داعش” حربها على كوباني ونزوح سكانها، وصل بعضهم إلى المغرب، “هاجرت مع بعضهم من هناك إلى إسبانيا.”
يقول “خليل” لنورث برس : “بقيت نحو شهرين في مخيمات إسبانيا حيث لم يكن وضع اللاجئين فيها جيداً، فاتجهنا إلى ألمانيا.”
وصل خليل في نهاية العام 2014 إلى ألمانيا، وأقام لفترة في مدينة “دورتموند”، حتى تم نقله إلى مدينة ” بيليفيلد” حيث حصل على الإقامة.
في ألمانيا كان عليه أن يدرس قبل البدء بممارسة أي مهنة، فدرس لستة أشهر، وطلبوا منه أن يختار عملاً بعدها أو يتابع تعليمه في مهنة.
وعمل “خليل” في مطبعة للكتب، لمدة أربعة أشهر، ” كنا نستيقظ في الساعة الثالثة والنصف لنصل إلى العمل في السادسة، ضغوط كبيرة ومواعيد دقيقة للاستراحة والفطور والغداء.”
ويشبّه المهاجر الإنسان في ألمانيا بالآلة، “يعلمونك اللغة لكي تعمل لصالحهم دون توقف.”
“أم وحيدة”
وبقي تفكير “خليل” مشغولاً بوالدته التي تعيش وحيدة في كوباني، رغم أن لديها أربعة أبناء موزعون بين المغرب وهولندا وألمانيا.
ورغم محاولات الأبناء، رفضت الوالدة اللجوء إلى ألمانيا، وكان ردها الدائم: “لا أستطيع العيش خارج كوباني.”
بعد طرد قوات سوريا الديمقراطية لمسلحي داعش من المدينة في كانون الثاني 2015، بدأت الأم بترميم المنزل مستفيدة مما أرسله أبناؤها من مال، لكنها تعرضت لكسر في ساقها.
يقول “خليل” إن محاولات أشقائه لثنيه عن العودة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا والتذكير بما لاقاه من صعوبات حتى وصل إلى ألمانيا، لم تنفع معه.
“الجيران والأصدقاء يمكن أن يساعدوا والدتي يوماً أو يومين، لكنهم يرددون أيضاً: “لديك أربعة أبناء، وها أنت وحيدة”.
لكن الوالدة لم تكن السبب الوحيد لعودة الابن المهاجر، فهو لم يندمج أصلاً في المجتمع الجديد ولم يتكيف مع الحياة هناك.
يقول لنورث برس: “كنت أشعر أنني في سجن بسبب القوانين والالتزامات والقيود هناك، تنال حريتك فقط لـ/21/ يوماً أثناء الإجازة”.
ويرى “خليل” أن من يحترم نفسه من اللاجئين، يعمل ويدفع الضرائب كي لا يقول له الألمان ماذا تفعل في مدينتنا؟
كما أن الشعور بالغربة ظاهر دائماً خلال التمييز في العمل، “فأدنى أجر في ألمانيا كان من نصيبنا (8.5) يورو في الساعة، بينما يتقاضى الألماني /11/ يورو في العمل نفسه.”
عودة وراحة
وكما رحلة الهجرة، عانى “خليل” خلال رحلة العودة إلى كوباني ، “لم أحصل على تأشيرة سفر إلى إقليم كردستان العراق، ذهبت إلى اليونان ومنها إلى تركيا ثم إلى جرابلس التي كان يسيطر عليها الجيش الحر ويتواجد فيها تنظيم الدولة.
لكنه شعر بسعادة غامرة عندما وصل إلى كوباني عام 2016، ورأى أشخاصاً من كوباني نفسها على حاجز أمني تابع للإدارة الذاتية.
“أوصلتني سيارة سوزوكي إلى البيت، رأيت والدتي تشتري من بائع متجول، لم تصدق أنني عدت، تعانقنا وفرحت كثيراً بعودتي. “
ويرى المهاجر العائد راحته في مدينته، “تملك الوقت واللغة والأصدقاء والأقارب والجيران، أما في ألمانيا فقد كنت احتاج لعشر ساعات سفر لرؤية أخي، وأختي لم أرها طوال إقامتي هناك.”
يقارن “خليل” بين عمله في كل من ألمانيا وكوباني: “طبيعة عملي هنا مريحة، أنا ملتزم بالعمل من الثامنة صباحاً حتى الثالثة، بينما في ألمانيا لم أكن أشعر بالراحة طوال /15/ ساعة من العمل.”
يقول أيضاً: “هنا شعبك ولغتك وتعرف كيف تتواصل مع الآخرين، وعلاقات اجتماعية وسهرات مسائية”.
ويضيف أنه يعرف الكثيرين في ألمانيا يريدون العودة، لكنهم لا يستطيعون بسبب الأوضاع المعيشية، فغالبيتهم دمرت منازلهم خلال الحرب.
قام خليل بإعادة ترميم منزله ، وتغيير ديكوره ، وشراء سيارة، كما تزوج خليل وأنجب طفلة اسماها “خاتون” .
يعمل حاليا في هيئة المالية ويمارس نشاطاته الرياضية وفي الشتاء يجتمع مع أصدقائه في سهرات مسائية.
” أعيش مع زوجتي وأمي وابنتي ووضعنا جيد، الراتب متوسط، وزوجتي معلمة مدرسة، تساعدني في مصروف المنزل، وأخوتي يساعدوننا أيضاً.”
تراوده أحيانا فكرة العودة إلى ألمانيا بسبب الوضع المعيشي المتدهور، لكنه عندما يتذكر ظروف العمل هناك يطرد الفكرة من رأسه.
“أعرف الروتين ، وأنني سأصبح مثل الآلة “.
في كوباني لدي “خليل” أصدقاء يمارس الرياضة معهم، ويرى وضع المدينة يتحسن ومؤسسات الإدارة الذاتية تعمل وفق إمكاناتها، كما يقول.
” أعرف أنه لا مقارنة مع المؤسسات الأوربية لكن الخدمات هنا جيدة نوعاً ما.”