آباء في السويداء يعللون دفع أطفالهم لسوق العمل بالتدهور المعيشي
السويداء – نورث برس
يعلل أولياء أطفال انخرطوا في سوق العمل بالسويداء، جنوبي سوريا، موافقتهم على ترك أبنائهم للمدارس والانخراط في سوق العمل، بالظروف القاهرة التي يمرون بها لا سيما خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
لكن بعض المختصين يرون أنه ليس من حق الأهل، رغم حرصهم على أبنائهم، منع أبنائهم من الدراسة وإرسالهم إلى أسواق العمل.
وتنامت ظاهرة عمالة أطفال ما دون سن الـ ١٥ في مدن السويداء وشهبا وصلخد، ولا سيما في المناطق الصناعية ومحال ميكانيك السيارات رغم المخاطر النفسية والجسدية التي يتعرضون لها مقابل أجور زهيدة.
“العلم سلاح”
وقال متعب بشنق (40 عاماً)، وهو أب لخمسة أطفال من سكان مدينة شهبا، إنه أخرج ابنيه أحمد (١٠أعوام) وجمال (١٥ عاماً) من المدرسة، وأرسلهما للعمل في محل ميكانيك حتى يساعداه في تأمين مصاريف العائلة.
وأضاف لنورث برس: “ورغم حزني على عدم متابعتهم الدراسة، إلا أن ظروفنا المعاشية قاسية ولا ترحم.”
وعلل “بشنق” موافقته على عمل طفليه بالظروف الاقتصادية المتردية التي أجبرته وكثيرين على إرسال أطفالهم إلى العمل في المنطقة الصناعية.
“كان أمامي خياران، إما متابعة تعليمهما وأخوتهم الأصغر منهم وهذا يتطلب مصاريف لا أقدر عليها، وإما تأمين عمل لهم كي يلبوا احتياجاتهم، وليكتسبوا مهارة تنفعهم في المستقبل.”
يقول الأب إنه يؤمن بأن “العلم سلاح لصاحبه يواجه به مصاعب الحياة، ولكن ليس في سوريا”، على حد قوله.
“أعمال مرهقة”
لكن أسامة فليحان (٤٣ عاماً)، وهو نقيب الحرفيين في السويداء، قال إن أطفالاً يعملون في المنطقة الصناعية بالمدينة يتعرضون لمخاطر وأعمال شاقة لا تتناسب مع مجهودهم العضلي، “إلا أنهم يقاومون كل تلك المصاعب لتأمين بعض احتياجات عائلاتهم من طعام وشراب.”
وأضاف لنورث برس: “لا يوجد محل واحد في المنطقة الصناعية بالسويداء إلا ويتواجد به عمال دون سن الـ١٥، وهذا أمر يدعو إلى الحزن والألم.”
ولفت “فليحان” إلى أن العديد من الآباء والأمهات، بالإضافة لظروفهم المعيشية المتدهورة، باتوا على قناعة بأن “اكتساب مهارة أو مهنة في الأعمال الميكانيكية المرهقة أفضل لهم من متابعة التعليم.”
وأعاد سبب ذلك إلى أعباء مستلزمات التعليم الكثيرة واعتقاد العائلات بعدم جدوى الوظائف والأعمال التي تلي التحصيل العلمي لأبنائهم.
“ثغرات قانونية”
من جانبها، قالت داليا مسعود، وهي حاصلة على الماجستير في علم الاجتماع من جامعة دمشق، إن تقريراً لرصد عمالة الأطفال أظهر وجود ٤١٣ طفلاً عاملاً في المناطق الصناعية بالمدن الثلاث السويداء وصلخد وشهبا.
وكان التقرير قد شمل أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً أوُعدّ من قبل منظمة “الغرفة الفتية” التي تعمل معها “مسعود”، وهي منظمة مدنية في مركز مدينة السويداء تم تأسيسها عام ٢٠١٢.
وأضافت الباحثة لنورث برس أن هذه الأرقام تُظهر “معدلات ذات خطورة عالية في إخضاع الأطفال لأعمال تفوق قواهم الجسدية والنفسية، ما ينعكس على نموهم البدني والعقلي على حد سواء.”
ورأت أن خلق جيل مهيأ للانحراف الأخلاقي والمجتمعي قد يحوله لأداة فاعلة للجريمة في المستقبل، “والسبب استغلال أرباب العمل لهم وتعرضهم لكم من الإهانات اللفظية والجسدية.”
وتكشف الدراسة السابقة أن٩٠٪ من حالات عمالة الأطفال بدأت بسبب الظروف الاقتصادية الهشة، و١٠٪ لاعتبارات تتعلق باكتساب مهارات ومهن على أمل أن تشكل مصادر دخل لممارسيها.
ومن الناحية القانونية، قال سهيل العفير، وهو مدير مكتب التشغيل والعمالة بمديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في السويداء، إن القوانين والمراسيم الناظمة لعمالة الأطفال تحوي “ثغرات تشريعية قاتلة”.
وأضاف لنورث برس أن المادة ١٢٢ من القانون ٤٤ لعام ٢٠٠٠ تنص على إمكانية العمل لبعض الحالات “بعد وجود تقارير صحية للأطفال تثبت أهليتهم لبعض الأعمال ووجود تصريح خطي من قبل ولي أمر الطفل لا يمانع فيه ذهابه إلى العمل.”
ولفت “العفير” إلى أن “تلك الثغرات تكبل عمل جولات مراقبة في محاسبة أرباب المهن والمصالح الخاصة بتحرير ضبوط ضدهم.”
ورأى أن الحل يكمن في إصدار تشريعات جديدة أكثر صرامة في تحديد عقوبات قاسية ورادعة بحق من يقوم بتشغيل الأطفال من أصحاب المصالح أو أولياء الأمور.