غلبت كورونا ولا تزال تنتظر.. قصة مُهجرة من عفرين تقطعت بها السبل نحو أوربا

نورث برس

 

"عندما ظهرت أعراضه علينا توقعنا أن نكون مصابين بالكريب، إذ أن العلامات الأولى تبدأ بصداع وجفاف في الحلق ووجعٍ في الأطراف".

 

هكذا وصفت فيان (اسم مستعار)، المهجرة من مدينة عفرين ذات الـ/25/ عاماً، لـ "نورث برس" حالها عقب إصابتها بفيروس "كورونا" حال وصولها إلى اليونان، وهي على طريق الهجرة نحو ألمانيا.

 

رحلة شاقة

 

كانت فيان، قد وصلت إلى أثينا مطلع شباط /فبراير الفائت بعد رحلة دامت نحو 7 أشهر، بدأتها من قرية أم حوش بريف حلب الشمالي لتمر بمناطق شمال شرقي سوريا ومن ثم دمشق إلى إيران وتركيا، قبل أن تتمكن بعد محاولات عدة من الدخول إلى اليونان عبر طرق التهريب براً.

 

أثناء الطريق تعرضت فيان لابتزاز المهربين كما كانت تتوقع، إلا أن إصرارها مكنها وصديقتها، من المتابعة سوية حتى اسطنبول، لتضطرا إلى المكوث فيها لدى بعض المعارف إلى حين إعادة فتح الحدود مجدداً.

 

 لكن وبعد طول انتظار قررت صديقتها العودة إلى سوريا بعد أن نفد ما كانت تملكه من مال، لتتابع فيان لوحدها طريق هجرتها المجهول.

 

تصف فيان رحلتها وكيف كان الوقت يمر ببطء عليها، "لم يسعفني على التحمّل سوى اتصالات أهلي ووقوفهم إلى جانبي، إضافة إلى دعم خطيبي الذي ينتظر وصلولي في ألمانيا".

وتضيف "لم يخطر ببالي أبدأ أنني قد أقع ضحية لذاك العدو الخفي"، إذ تصف فيروس كورونا.

 

منتصف الطريق

 

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد هدد في شباط/ فبراير الفائت، بإعادة السماح للاجئين بالعبور نحو أوروبا، وذلك عقب مقتل أكثر من 30 جندياً تركياً في قصف روسي، أثناء تصعيد عسكري شهدته أرياف إدلب وحلب مطلع كانون الثاني/ يناير الفائت.

 

خلال فترة انتظارها في اسطنبول، تعرفت فيان على عائلة سورية، قبل أن يتمكنوا معاً من دخول اليونان في ليلة "ظلماء قاسية"، مجتازين نهر "إفروس" الفاصل بين الأراضي التركية واليونانية.

 

"كنا بحدود /15/ شخصاً لدى اجتيازنا النهر، وما أن حامت الطائرات اليونانية حولنا، حتى تركنا المهرّب ونحن لا نزال في منتصف الطريق"

 

تتحدث فيان كيف أنهم اضطروا إلى الاحتماء بأشجار الغابة الكثيفة، وسط برد ليلة قارصة "يأكل العظام"، ليفضلوا البقاء في أماكنهم مع الحرص على عدم إشعال النار أو تشغيل هواتفهم خوفاً من انكشاف أماكنهم.

 

تقول، "مع بزوغ الفجر عاودنا المتابعة معتمدين على خدمة GPS إلى أن وصلنا إلى أٌقرب قرية".

 

مع وصولها لليونان، أقامت فيان لدى عائلة سورية لاجئة من منطقتها عفرين، كانت من معارف خطيبها. آنذاك كانت الحكومة اليونانية قد باشرت حديثاً باتخاذ اجراءات الوقاية من فيروس كوفيد – 19 بعد مخاوف من انتقاله من إيطاليا المجاورة.

 

" كنا نتابع حياتنا بشكل طبيعي رغم أن الفيروس بدأ بالانتشار، كما لم نبد جدية تجاه المناشدات الحكومية التي دعت إلى الحذر ومراعاة اجراءات الوقاية والسلامة الشخصية".

 

"بدأتْ السيدة تسعل بشدة، وظننا أنها مصابة بالكريب، فتوليتُ العناية بها محاولةً التخفيف عنها بإكثار المشروبات الساخنة والسوائل، لكن حالتها زادت سوءاً، لتقرر العائلة بعد ثلاثة أيام الاتصال بالطوارئ"، تقول فيان وهي توضح حالة مضيفتها التي تلقت العدوى بعد ارتيادها لسوق الشعبي في الجوار.

 

حتى ذلك الحين لم تكن قد اكتشفت بعد إصابتها بكورونا، قبل أن تنتابها موجات سعال مشابهة، ويقوم فريق طبي بنقل السيدة إلى المشفى، لتتخذ السلطات الصحية قرّراً بنقل كامل العائلة إلى المركز الصحي ووضعهم في الحجر.

 

مرض وغربة

 

لم تتوقع فيان أن تكون ضحية فيروس "كورونا" الذي أنهك جسدها وجعلها نحيفة فاقدة للرغبة بأي شيء بما في ذلك حرصها على التواصل مع أهلها في سوريا وطمأنتهم على صحتها.

 

وتشرح الشابة أنها عانت خلال اسبوعين في العزل الصحي من التعرّق وارتفاع بالحرارة والحكة  إضافة إلى جفاف الحلق وضيق تنفس وفقدان للشهية أو التذوّق  مع أحساس بالتعب والخمول.

 

"خلال ذلك كان علاجي يعتمد على المسكّنات وأدوية تقوية المناعة، مع تخصيص أكثر من /11/ ساعة للنوم، إضافة إلى تخصيص وقت للرياضة الخفيفة التي اقتصرت على تمارين لتسهيل عملية التنفس".

 

وتذكر أنها اتبعت نظاماً غذائياً اعتمد على الأطعمة القلوية "كتناول كميات جيدة من الليمون الأخضر والأصفر، الأفوكادو، الثوم، الكيوي، الأناناس، البرتقال والجرجير". مع تناول بيضة واحدة يومياً على أن تكون مطبوخة جيداً، مع شرب /1,5/ ليتر من الماء والتعرض لأشعة الشمس لمدة ساعة عند الظهر".

 

تتذكر بأسى ما عاشته من مشاعر فقدان الأمل، "مررت بالكثير من المواقف الصعبة في حياتي القصيرة، حرب عفرين وقهر النزوح والتهجير لقرى ريف حلب الشمالي والذل على طرق التهريب، لكنني لم أتوقع أن أصيب بمرض أحال حقي في العيش إلى أُمنية".

 

بعد تعافيها من المرض وخروجها من العزل مطلع نيسان /أبريل الفائت، أمضت فيان ليال اختلت فيها بنفسها في منزل بحي فيكتوريا في العاصمة اليونانية "أثينا"، متجنبة مشاركة آخرين في السكن.

 

لا تزال فيان العالقة في منتصف الطريق، تنتظر بفارغ الصبر أن يعاد فتح المطارات في أوربا، وتنتهي أزمة انتشار فيروس كورونا، علها تتمكن من اللقاء بخطيبها وبدء حياة جديدة، لكنها لا تخفي توجسها من خوض رحلة تهريب جديدة، قد تخفي فصلاً آخر للمعاناة التي أثقلت سنوات عمرها الفتي.