مربي ماشية مهجر من عفرين: باعوا أغنامي في أعزاز وتركوني وسط محيط من الألغام

ريف حلب الشمالي – نورث برس

مع ساعات صباح كل يوم، يُخرِج  محمد طاري (45 عاماً)، وهو مُهَجَّر من منطقة عفرين شمال غربي سوريا، أغنامه إلى أراضي قريبة من المنزل الذي يقطنه في قرية تل سوسين بريف حلب الشمالي لرعيها.

لكن عدم توفّر مراعي طبيعية وانتشار الألغام في ريف حلب الشمالي وغلاء المواد العلفيّة وعدم القدرة على استئجار أراض، يثقل كاهل “طاري” الذي لم يكن حاله هكذا قبل عامين ونصف.

ففي الـ/20/ من كانون الثاني/يناير عام 2018، بدأت تركيا برفقة فصائل معارضة مسلّحة تابعة لها بحملتها العسكرية ضد منطقة عفرين، ما غيّر منحى حياة مربّي الماشية وجميع سكان منطقته.

وتمكنت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلّحة التابعة لها في الـ/18/ من شهر آذار/مارس، بعد نحو شهرين من المعارك مع وحدات الحماية الشعب، من السيطرة على منطقة عفرين.

“مراعي مزروعة بالألغام”

يعود مربّي الماشية الذي عمل بتربية المواشي بذاكرته إلى بدايات عمله منذ /25/ عاماً في قريته جقلا التابعة لناحية شيه (شيخ الحديد) بمنطقة عفرين، “كانت هناك مراعي طبيعية وبساتين وكانت متوفرة خلال ثلاثة فصول من السنة.”

“كنت أتحمّل تكاليف العلف في فصل الشتاء فقط، وكان ذلك يوفِّر عليَّ الكثير.”

وتسببت العملية التركية بتهجير أكثر من /300/ ألف شخص من منطقة عفرين، وفق إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين.

لكن الألغام في محيط قرية تل سوسين تمنع الراعي المُهَجَّر من رعي أغنامه في محيطها، “فقد انفجرت الألغام بعدد من الخراف إلى جانب أطفال أصيبوا بها أو فقدوا حياتهم.”

وبحسب الهلال الأحمر الكردي بريف حلب الشمالي، فقَدَ /31/ مدنياً حياتهم وأصيب /46/ آخرون نتيجة انفجار ألغام منذ تهجير سكان منطقة عفرين إلى ريف حلب الشمالي.

“بضع دقائق للحَلب”

ولا يأخذ حَلبُ /20/ رأس من الأغنام من الزوجة زكية محمد (40 عاماً)، بضع دقائق، بينما كانت تستغرق سابقاً ساعات وهي تقوم بحلبِ القطيع في عفرين.

وقالت “محمد”، إن “الإنتاج اليومي لقطيعهم في عفرين كان يصل من /30/ إلى /35/ كيلوغرام من الحليب، لكن حالياً بالكاد تسدُّ احتياجات عائلتي من الحليب ومشتقاته.”

وكانت “محمد” قبل سيطرة تركيا على عفرين تقوم بصناعة الجبن واللبن والسمن والقشطة، وتحتفظ بمؤونتها منها للشتاء، لتقوم ببيع القسم المتبقي من الحليب.

وكانت منطقة عفرين قبل سيطرة تركيا والفصائل المسلّحة عليها، تضمُّ /150/ ألف رأس من الغنم والماعز وخمسة آلاف رأس من الأبقار و/39/ مدجنة، بحسب اقتصادي مطلع على تلك الأرقام فضّل عدم نشر اسمه.

وبحسب المختص في الاقتصاد، فقد بلغت نسبة خسارة قطاع الثروة الحيوانية في منطقة عفرين جراء العملية التركية /75/ بالمئة (ما يُقدَّر بـ/25/ مليون دولار).

وتعود أسباب الخسارة تلك إلى نفوق أعداد كبيرة من الماشية بسبب القصف التركي وغياب المربّيين وتعرض الآلاف من رؤوس المواشي للسرقة من قبل فصائل المعارضة المسلّحة، بحسب المصدر نفسه.

كما قال مربّو ماشية مُهَجَّرون من منطقة عفرين إنهم اضطروا خلال رحلة النزوح لبيع ماشيتهم لتجار من خارج المنطقة بسعر متدني، “خوفاً من نفوقها.”

وقال “طاري”: “كنت سعيداً ومرتاحاً وأعيل عائلتي وأتدبّر أموري المعيشية، كانت الحياة رائعة في القرية.”

“ماتت خرافي جوعاً”

ومع اشتداد الاشتباكات على تخوم قريته وقصف الطائرات التركية وسقوط القذائف والمدافع في اليوم الثاني من الهجمات، اضطر مربّي الماشية أن يترك قريته ومنزله وخرافه، ليحاول كما الآخرين إنقاذ عائلته من الموت.

وكانت منظمة حقوق الإنسان في عفرين قد وثّقت في تقرير نشرته في الـ/16/ من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، مقتل /489/ مدنياً من منطقة عفرين نتيجة القصف التركي وفصائل المعارضة المسلّحة.

وقطع “طاري” مسافة /40/ كم مع عائلته و/150/ رأساً من الأغنام مشياً على الأقدام، حتى وصل بها من قريته جقلا إلى مدينة عفرين.

“لم أتمكّن آنذاك من إخراج الخراف بسبب صعوبة مشيها ليلاً.”

وكان سكان قرى منطقة عفرين حينها يلجؤون إلى المدينة، فارين من هول المعارك والاشتباكات في نواحيها.

واكتظت المدينة بالسكان، حيث كان كلُّ منزل يحتوي على أكثر من ثلاث عائلات، فيما لجأ آخرون للسكن في منازل غير مكتملة البناء، في ظل ظروف جوية ماطرة وانخفاض درجات الحرارة.

وفي صباح اليوم التالي، قرر “طاري” العودة إلى منزله وإخراج خرافه الصغيرة، إلا أن القصف العنيف الذي طال القرية واقتراب القوات التركية والفصائل منها، منعه من العودة.

قال متحسراً: “ماتت خرافي من الجوع والعطش.”

وأضاف: “قام عناصر الفصائل بقتل دجاجاتي وكلبي رمياً بالرصاص وأحرقوا منزلي رغم معرفتهم بأنه منزل راعي مواشي لا علاقة له بالحرب والسياسة.”

“باعوا أغنامي بأعزاز”

ولا ينفكُّ مربّي الماشية يتذكر قصف مدينة عفرين وانهيار الأبنية ومقتل العديد من المدنيين أمام عينيه، “كانت القذائف تنهال على المدينة وكأنها زخات مطر، انهارت العديد من الأبنية ومات العديد من المدنيين.”

وخرج “طاري” من مدينة عفرين في الـ/17/ من شهر آذار/مارس 2018، سالكاً مع عائلته جبل ليلون في ناحية شيراوا جنوب عفرين، للوصول إلى مناطق بريف حلب الشمالي.

“لم أكن أتوقع أن نخلي المدينة ونتركها”، يقول “طاري”.

ولأن مربّي الماشية لا يملك سيارة نقل لإخراج قطيعه من المدينة، ولأولوية إنقاذ عائلته من القصف، “لم أدرك ما الذي أفعله، قمت بإرسال زوجتي وبناتي مع أحد معارفي على جرار زراعي، بينما سِرنا أنا وابني على الأقدام.”

بعد أيام، علِمَ مربّي الماشية أن عناصر الفصائل التابعة لتركيا سرقوا أغنامه، “وسمعتُ أنهم قاموا ببيعها في مدينة أعزاز.”

يصف “طاري” لنورث برس مشهد تهجير سكان عفرين: “نساءٌ يحملن أطفالهن وما استطعن حمله من أكياس، وكبار سن يتسلّقون الجبل بصعوبة بالغة، وصراخ الأطفال مع أصوات سيارات عابرة، كان ذلك مؤلماً.”

ويختزل حاله بعد التهجير: “لا أملك الآن بيتاً ولا شجرة زيتون واحدة، أنا مُهَجَّر وحال المُهَجَّرين معروف.”

 إعداد: دجلة خليل – تحرير: سوزدار محمد