واشنطن ـ نورث برس
مع قيام إدارة الرئيس ترامب، في السابع من هذا الشهر، برفع السرية عن بعض إيميلات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية في عهد أوباما، كثر الحديث عن دورها، في مرحلة مفصلية مرّت بها المنطقة في إطار ما يعرف باسم “الربيع العربي”.
ووصف ترامب ما جاء في تلك الرسائل بـ”الجريمة” في تاريخ أميركا.
ودار الجدل منذ انتخابات العام ٢٠١٦ حول إيميلات كلينتون بسبب استخدامها مخدّماً خاصاً يفتقد معايير الحماية القصوى والسرية العالية التي توفّرها مخدّمات الحكومة الأميركية لكبار مسؤوليها.
وأصرّ الرئيس ترامب على نشر الإيميلات قبل موعد الانتخابات بسبب اتهامه الموجّه لكلينتون، بأنها “هي من كانت على تواصل مع المسؤولين الروس وليس هو”، كما أشاع الديمقراطيين.
لكن الإيميلات لم تؤكد ذلك لاسيما أن عدداً من أجهزة الاستخبارات الأميركية اختارت إخفاء بعض المعلومات الحساسة وعدم عرضها للعامة.
ومع اندلاع الاحتجاجات في سوريا في آذار/ مارس العام ٢٠١١، أثناء فترة تولّي هيلاري كلينتون منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة، لاحظت “نورث برس” أن اسم “سوريا” ذكر أكثر من ألف مرة في إيميلات كلينتون.
وأظهرت الإيميلات تبادل كلينتون مع مساعديها المقالات التي كتبتها شبكات دولية كبرى حول سوريا مع قيام فريق وزيرة الخارجية السابقة بتفنيد المقالات وتحليل الأوضاع في سوريا.
واعتمد الفريق في عمله على مقالات “سي ان ان، وفاينانشال تايمز، نيويورك تايمز” بالإضافة إلى أخبار كانت تنشرها عدد من الصحف الإسرائيلية التي اعتبرها فريق الوزيرة السابقة “أخباراً موثوقة وذات مصداقية.”
“تهديد للأسد بالقتل”
وأولى تلك الرسائل التي تتعلق بسوريا، والتي اطلعت عليها نورث برس، “تهديد مساعد كلينتون سيدني بلومنتال، للرئيس السوري بشار الأسد بالقتل.”
وقال مساعد كلينتون: “يجب أن يدرك الأسد أن رؤوساً ستقطع إذا ما استمر القمع بهذا الشكل وقد يكون رأسه هذه المرة. ولن تمر جرائمه كما مرّ مقتل الحريري.”
وفي حزيران/ يونيو ٢٠١١، وصلت لهيلاري كلينتون، رسائل من مساعديها حول مقال نشره “ديفيد ليش” في شبكة “سي ان ان” حول ما الذي قد يهزّ نظام الأسد.
ويتوقع المقال أن مقتل القذافي سيؤكد للأسد وأنظمة شبيهة بأن نموذج التدخل الأميركي على الأرض لا يزال قادراً على تغيير الأنظمة التي لا تتنازل عن الحكم بسهولة.
“فالأسد وعلى ما يبدو لا يزال يعوّل مع أخيه ماهر على إسقاط الثورة الشعبية بالقوة.”
ويشير الإيميل الذي حذفت الخارجية بعض تفاصيله، إلى أن الأسد آنذاك كان يخطط عبر الجيش السوري “لسحق بداية معالم تمرد مسلّح في جسر الشغور.”
ويرد سيدني بلومنتال (وهو صديق مقرّب ومساعد لهيلاري كلينتون وزوجها الرئيس السابق بيل كلينتون) على كاتب المقال: “معك حق، مقتل القذافي إن حدث فإنه سيخيف الأسد.”
ويضيف: “إذا كان الأسد يعتقد أنه سيقمع الشعب هذه المرة بالقوة دون أن يجذب أي انتباه دولي إليه كما حدث بعد مقتل الحريري الذي مرّ بدون محاسبة فإنه مخطئ.”
ويجب، بحسب “بلومنتال”، أن يخبره أحد ما بأن “هذه المرة هناك (رؤوس ستتدحرج أو تقطع)، وسيكون رأس الأسد هذه المرة إذا استمّر الوضع على ما هو عليه.”
ويناقش بلومنتال أيضاً ما يوصف “ببجاحة” الأسد أو ربما الانقسامات في نظامه حيث لا يريد أن يقوم بأي إصلاحات.
وبحسب الإيميل، وبالمقارنة مع الملك الأردني عبدالله الثاني، فإن الأخير قام بإصلاحات استباقية لمطالب المعارضة وذلك بعكس الأسد.
وجاء في إيميل مرسل لهيلاري كلينتون في أواخر حزيران/ يونيو 2012، من مساعدها جاك سوليفان، أن الجنرال نجدت أوزيل، رئيس الأركان العامة للجيش التركي، “نصح رئيس الوزراء (حينها) رجب طيب أردوغان بأن تركيا يجب أن تكون مستعدة لمواجهة الظروف بما في ذلك حدوث مواجهة مباشرة مع الجيش السوري.”
أما أردوغان، فيقول إنه “يجب علينا إذا ما أردنا التدخّل ضد الجيش السوري أن نستخدم إمكانات الناتو قدر الإمكان للاستفادة من المعلومات الاستخباراتية.”
وأشار أوزيل إلى أن أردوغان قد نجح مؤخراً في كسب تأييد التيارات القومية في الجيش التركي ولا يرغب في خسارة تأييدها.
وأضاف: “في حوادث سابقة، اعتمدت القوات الجوية التركية على القوات الأميركية في شمال العراق وكان هذا يثير شعوراً بالإهانة لدى الجنرالات من الرتب المتوسطة في الجيش التركي ولا يرغب أردوغان أن تحدث هزائم أو هجمات تظهر ضعف الجيش التركي.”
وأخبر الجنرال أوزيل، أردوغان بأن الجيش التركي وعلى الرغم من انشغال /١٠٠/ ألف من قواته في الجبال الشرقية لتركيا وشمال العراق، فإن “تركيا قادرة على تخصيص مئات الآلاف من القوات لمواجهة وهزيمة الجيش السوري وإخضاعه خاصة أن معنويات الجيش السوري مدمّرة.”
ونقل مساعد كلينتون، عن مصدر آخر “سري للغاية” أنه من وجهة نظر أردوغان فإنه فعل ما يكفي لترويع النظام السوري وتحذيره من تهديد الوضع في تركيا من جراء الحرب السورية.
كما يعتقد أن الناتو لا يريد صراعاً مع سوريا، وجنرالات أردوغان أيضاً يعتقدون أنه فيما لو اتّخذت تركيا أي خطوة عدائية ضد الجيش السوري يجب أن تكون غايةً في السرية حيث لا يرغب أردوغان تعقيد الأوضاع مع روسيا.
ويمتلك الجيش التركي معلومات تفيد بأن القوات البحرية الروسية لديهم قوات مستعدة وفي حالة تأهب لمواجهة أي تطور “بالإضافة إلى أن الشعب التركي بغالبيته لا يريد حرباً مع سوريا لا سيما أن اقتصادهم جيد.”
“الأسد يتمسك بالحكم”
والرسالة الثانية كانت ما أخبر به شخص سوري وصفه الإيميل بأنه “مقرب من الحكومة السورية” هيلاري كلينتون، من أن “بشار الأسد لن يترك الحكم ما دام لا يوجد من يضع سلاحاً فوق رأسه.”
وشرح المصدر في التقرير الذي أرسله لكلينتون في شباط/ فبراير العام ٢٠١٢، “الأزمة السورية من وجهة نظر نظام بشار الأسد.”
وقال المصدر، إن بشار الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به يعتقدون أنه ثمة بالفعل مؤامرة على سوريا بسبب تاريخها وبسبب ما تعرّضت له عبر السنوات من أعداء خارجيين من وجهة نظر النظام.
ومن وجهة نظر الحكومة السورية، فإن “بشار الأسد يتعامل بحكمة مع الأزمة السورية وأن العنف الذي تستخدمه الدولة السورية هو بسبب التدخل الخارجي المتعلق بالتمويل المباشر ونقل الأسلحة للمعارضة السورية”، بحسب ما نقل المصدر.
ويعتقد النظام، حسبما ذكر المصدر، أن “ما يجري من عنف داخلي هو حملة للضغط على الخارج ليتوقف عن التدخل.”
ويقول في الإيميل أيضاً، إن “بشار الأسد ونظامه لن يقدموا أي تنازلات من موقف ضعف، والأسد الذي كان فعلاً رجلاً يرغب بالإصلاح في البداية بات مدمناً على السلطة وبات شخصاً نرجسياً مقتنعاً بأن خطواته حكيمة وضرورية وأن الإصلاحات الأخيرة التي أعلن عنها ستحدث فارقاً إيجابياً كبيراً.”
ويؤمن الأسد بأن “إصلاحاته المتمثلة بالإعلان عن استفتاء دستوري تم التقليل من أهميتها في الصحافة الدولية المنحازة ضده” حسبما أشار المصدر.
“وهو أمر أغضب الرئيس وجعله يعتقد أن عليه وعلى سلطاته الأمنية التصرف بطريقتهم الخاصة أي عدم تقديم أي تنازلات، وأنه لن يترك الحكم ما دام لا أحد يحمل سلاحاً فوق رأسه ويجبره على الرحيل.”
“الإطاحة بالنظام السوري”
وتضمن إيميل آخر من إيميلات هيلاري كلينتون لم يتم الكشف عن وجهته، اقتراح أحدهم بأن أفضل طريقة لمساعدة إسرائيل على التعامل مع قدرة إيران النووية المتنامية هي الإطاحة بالنظام السوري.
ويشير المصدر إلى ضرورة مساعدة الشعب الإيراني أيضاً، “لأن الاتفاقات والتفاهمات النووية مع إيران لن تجدي نفعاً.”
ويضيف: “لن يمنع الاتفاق مع إيران من تطوير جزء مهم وتحسين الجزء الحاسم في أي برنامج أسلحة نووية والقدرة على تخصيب اليورانيوم.”
وفي أحسن الأحوال، بحسب المصدر، فإن المحادثات بين القوى الكبرى في العالم وإيران “ستؤجل لبعض الوقت حرباً كبرى في الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل.”
ويرى المقال بأن البرنامج النووي الإيراني والحرب الأهلية في سوريا غير منفصلين عن بعض من وجهة نظر القادة الإسرائيليين.
من جانبها، ترى إسرائيل في امتلاك إيران لسلاح نووي قوة ردع جديدة كبرى ستتشكل ضدّها وستقوي الأنظمة التابعة لإيران في سوريا ولبنان والعراق، بحيث لا تتمكن إسرائيل في المستقبل من توجيه ضربات عسكرية ضد هذه الأنظمة مثلما تفعل الآن، بحسب المقال.
وبالعودة إلى سوريا، جاء في الإيميل، أن “العلاقة الاستراتيجية بين إيران ونظام بشار الأسد في سوريا تمكّن إيران من تقويض قوة إسرائيل وأهدافها الاستراتيجية.”
ولذلك تعتقد القيادة الإسرائيلية أن هزيمة بشار الأسد ونظامه وتمكين نظام مختلف في سوريا سيعني القضاء تماماً على خطر محدّق يهدد إسرائيل ويقلقها، حسبما جاء في الإيميل المرسل إلى هيلاري كلينتون.