السويداء – نورث برس
ترتفع في السويداء مؤخراً أصوات تطالب بدسترة اللامركزية في سوريا بحيث تضمن تشكيل مجالس محلية منتخبة تدير شؤون المحافظات بشكل مستقل دون العودة إلى العاصمة.
ويشير أصحاب هذا الطرح إلى إن المركزية أثبتت فشلها في إدارة سوريا وأساءت إلى الهوية الثقافية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية، وعمّقت التفاوت بين المحافظات السورية.
ويقول جمال الشوفي (٤٥ عاماً)، وهو أستاذ وباحث أكاديمي من السويداء، لنورث برس، إنه من الضروري الإيمان بمبدأ اللامركزية في إدارة الشأن العام بالسويداء، وعدم تجاهل فوائده المتعددة والمتشعبة للسكان.
ويرى “الشوفي” الحائز على دبلوم في علوم الاقتصاد المتغيّر أن اللامركزية تعطي الشعب دوراً هاماً في عملية صنع القرار، وتتطلب توافقاً وطنياً على خطط التنمية.
وتسمح اللامركزية الإدارية، بحسب “الشوفي”، باعتماد برنامج للتنمية الوطنية أكثر عقلانية، “نظراً لاختلاف الحاجات والفرص باختلاف المناطق.”
ويضيف أنه كلما زادت لامركزية السلطة، ازداد انجذاب رأس المال والاستثمار إلى المناطق، “وعلى العكس فإن تمركز السلطات الإدارية في المركز يَجذب اللاعبين الاقتصاديين الرئيسين من أفراد وشركات إلى التمركز في العاصمة.”
وهو ما يؤدي وفقاً له إلى النمو السريع للعاصمة وتدهور وضع المناطق.
ويقول “الشوفي” إن اللامركزيّة الإدارية والمقاربة المتنوعة للتنمية تشجّع على التنافس بين المناطق لتأمين الاستثمارات وفرص العمل، لكي تجعل بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية مؤاتية للنمو.
ويشير الأكاديمي الحاصل على دكتوراة في الفيزياء الذريّة إلى أن اللامركزية الإدارية الموسّعة تحلّ مشكلة الجمود الإداري، وتتفادى بطء صنع القرار وعدم كفايته، “وهي سلبيات نتجت عن العمل المركزي القائم حالياً في ظل حكم استبدادي شمولي شديد المركزية.”
وشهدت السويداء مؤخراً دعوات أطلقتها حركات شبابية تدعو إلى إجراء تعديلات على الحالة الإدارية في المحافظة وتطبيق نموذج الإدارة اللامركزية كحال “حركة البناء والتشبيك المجتمعي”.
وتدعو تلك الحركات إلى تكريس اللامركزية دستورياً في المحافظات السورية مع احتفاظ الحكومة بالحقائب السيادية كالدفاع والخارجية والداخلية.
ويرى سالم الصفدي (٥٠ عاماً)، وهو سياسي وأكاديمي من محافظة السويداء، أن الإدارة الذاتية ضمن إطار اللامركزية الإدارية تسهم في تكوين مواطنين ديمقراطيين قادرين وفاعلين.
ويقول إن الإدارات والمجالس المحلية المنتخبة بعيداً عن تدخّل المركز تمثّل حقلاً لتمرين المشرّعين والقادة الإداريين على المستوى المركزي.
ويضيف أن مشروع الإدارة اللامركزية للبلاد يعزز مفهوم الانسجام والتوافق الاجتماعي، “لأنه يتيح للسكان المحليين وممثليهم فرصة اكتساب الخبرة في حلِّ الأزمات.”
ويركّز القانون رقم /15/ للعام 1971، والخاص بالإدارة المحلية في سوريا، صلاحيات اتخاذ القرارات النهائية بالمجالس المحلية بيد المحافظ الذي يُعيَّنُ بمرسوم رئاسي.
وكان أكرم زريفة، وهو عضوٌ سابقٌ بمجلس مدينة السويداء، قد قال في حديثٍ سابقٍ لنورث برس، إنه منذ استيلاء حزب البعث على السلطة عام 1963، “لم تحظَ الإدارات المحلية بدورٍ في صنع القرار في سوريا.”
من جهته، يشير واثق أبو عمر (٥٢ عاماً)، وهو أستاذ جامعي وباحث اقتصادي في العلوم الإدارية ويقيم في السويداء، إلى أنه بات من الضرورة بمكان الخروج من حالة المراوحة بالمكان للأزمة السورية والتي دخلت عامها العاشر.
ويشدد على أن الحلَّ الأمثل والأكثر دينامية للصراع السوري هو السير قدماً وعبر أي حوار سوري-سوري قادم ومع جميع شعوب ومكوّنات المجتمع السوري على طرح اللامركزية الإدارية الموسّعة.
ويرى أن ذلك يعني “فيدرالية لامركزية” بديلة عن النظام المركزي الحالي الذي يصفه بـ”النظام المتهالك” الذي لا يلبّي حاجيات ومتطلّبات الفرد السوري في جميع النواحي الاقتصادية والإدارية.
ويضيف أن التعنت والصلف اللذين تبديهما الحكومة السورية في الحوار مع المكوّنات والشعوب السورية في تفهّم حاجيات ومتطلبات كلِّ سكانها سيجعلها تقع في أزمات اقتصادية أكثر خطورة وأشدَّ تعقيداً مما هي عليه الآن.
ويقول الأستاذ الجامعي إن الأوان قد آنَ كي تستجيب الحكومة إلى إرادة جميع المكوّنات السورية الملحّة في الوصول إلى تفاهمات وحلول “تخرجنا من هذا الصراع العبثي المتمحور على إبقاء نهج الحكم المتفرّد بالسلطة المركزية لكلِّ أنحاء سوريا.”