القهوة العربية.. تراث يحمل عادات عشائرية متوارثة في الجزيرة السورية

تل كوجر- نورث برس

لا تزال القهوة العربية تعد جزءاً أساسياً من الضيافة في مضافات العشائر العربية في سوريا والبلدان الأخرى، ورغم اندثار طقوس مرافقة لتقديمها، إلا أنها تعتبر إلى اليوم  لدى بعض العشائر دليلاً على أهلية المضايف لاستقبال روادها.

وارتبط إعداد وتقديم القهوة ، مع صوت النجر في النهار ووهج النار في الليل، بعدد من العادات العشائرية القديمة منذ مئات السنين ، فلكل سلوك أو كلمة ترافق تقديمها أو تناولها معنى ومقصد.

“علامة فارقة”

وقال الشيخ مجحم النواف (61عاماً)، وهو أحد وجهاء عشيرة شمر في قرية مسعدة جنوب بلدة تل كوجر(اليعربية) بريف ديرك، إن من أبرز ثوابت إعداد القهوة العربية قديماً أنها كانت تصنع في بيت شيخ القبيلة فقط.

“كان الشيخ يمنع أي فرد من القبيلة وحتى أقاربه من صنعها.”

وأضاف أن شيخ القبيلة كان “الوحيد المعني باستقبال الضيوف وإكرامهم، وأي محاوله لصنع القهوة في بيت آخر ما هي إلا إعلان تمرد على الشيخ”، على حد تعبيره.

لكن مع استقرار العشائر في القرى والأرياف وانتشارهم في مناطق متباعدة “وانعدام سلطة الشيخ المباشرة على أفراد العشيرة”، انتشرت القهوة العربية في بيوت كبار العوائل ممن يسمون بـ”الملافي”، حسب ما أشار إليه “النواف”.

 “وأصبح تقديم القهوة علامة فارقة في المضايف المأهولة.”

“دلالات مرئية”

وقال عواد الغفيلي (50عاماً)، وهو من سكان قرية خربة البير شمال بلدة تل كوجر، إن هز الفنجان كان دلالة مرئية على الاكتفاء، فيقوم الشخص بهز الفنجان كإشارة على الانتهاء من احتساء القهوة وعدم الرغبة في المزيد.

ويستحب أن يُقدَّم الفنجان باليد اليمنى ويتناوله الضيف بيمينه أيضاً، “ولا يضعه في الأرض حتى لو كان فارغاً.”

لكن “الغفيلي” لفت إلى أن وضع الفنجان لوجود مطلب لم يتحقق، “لم يعد مُتّبعاً في العرف البدوي حالياً.”

كما كان ترك شيء من القهوة في قعر الفنجان يُعتبَر ازدراء لصاحبها واتهاماً بأنه ليس ممن يحق لهم دق القهوة.

ويعيد “الغفيلي” التخاطب بالسلوك البصري للإشارة إلى الاكتفاء أو الطلب أو الازدراء بدل قول ذلك، إلى أن الشيوخ كانوا قديماً يختارون من يقوم بصب القهوة “من الصم أو من أصحاب السمع الثقيل حتى لا يسمعوا أخبار المضيف.”

 “حيث كان المضيف مقراً للحكم وصنع القرار والسياسة العامة للقبيلة.”

وجرت العادة على شرب فنجان واحد إلى ثلاثة فناجين من القهوة تصب بقدر شفة أو شفتين، على حد وصف “الغفيلي.”

يضيف الرجل الخمسيني: “ويعتبر الفنجان الأول حق الضيافة وهو فنجال الرأس، وأما الثاني فهو لطرد العماس (الضجر)، أما الثالث فهو فنجان خلاص، وغالباً ما يكتفى باثنين.”

“دعوة بالصوت”

وتبدأ عملية تحضير القهوة العربية” بحمس البن على نار هادئة بوضعه في وعاء يسمى المحماس ويحرك باستمرار حتى يميل لونه إلى الأشقر الغامق ولا يترك حتى لا يحترق.”

 ثم يفرغ في صينية وينشر حتى يصبح بارداً، ليتم طحنه بالنجر ودقه، ليصبح صوت النجر بمثابة دعوة لتناول القهوة في الصباح.

وكان البن المطحون يوضع بدلة كبيرة ويغلى بالماء لمدة نصف ساعة حتى يتجانس المحتوى وتصب بعد إضافة الهيل في دلة صغيرة تسمى دلة “المصبة”.

ويفرغ باقي القهوة في أوعية خاصة لاستعمالها صباح كل يوم، حيث تسمى الطبخة الأولى من القهوة بـ”البكر” وهي تكون جاهزة للشرب بمجرد إضافة الهيل وتسخينها.

ثم يؤخذ حثال البكر ويضاف إليه الماء ويغلى من جديد لصناعة الطبخة الثانية وتسمى بـ “الثنوة أو العشرة”.

مشاركة نسائية

ورغم أن معظم الطقوس المرافقة لتقديم القهوة العربية وتناولها ترتبط بالرجال أكثر من النساء، لكن بعضها يشمل جميع من يُقدَّم لهم فنجان القهوة العربية.

وذكر أحمد المنسي (47عاماً)، وهو من سكان بلدة تل كوجر، أحد الطقوس الخاصة بالقهوة العربية والتي كانت متبعة حتى  وقت قريب في سنين الجفاف لطلب الغيث من السماء.

فكانت نساء وأطفال يخرجون إلى قرية مجاورة ويسعون لدخول مضافتها وسكب القهوة على الأرض، ثم أخذ الدلة معهم إلى قريتهم “كناية عن الحاجة في سنين الجفاف.”

وأضاف “المنسي” أن نساء القرية المستهدفة كنّ يتولين الدفاع عن مضافة القرية في غياب تام للرجال في هذا الطقس.

 إعداد: طريف الهلوش- تحرير: سوزدار محمد