في كل منزل كنيسة.. كورونا يجبر مسيحيي القامشلي متابعة طقوس الأعياد عبر الإنترنت

القامشلي – ريم شمعون/ شربل حنو – نورث برس

 

لم تتمكن جاكلين كورية (28 عاماً)، الأم لثلاثة أطفال، من ارتياد كنيسة حيها بمدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، هذا العام بمناسبة أعياد أسبوع الآلام الذي يعتبر من الطقوس الدينية الهامة لدى المسيحيين، بسبب فيروس كورونا.

 

ودأبت كورية خلال السنوات الماضية أن تصطحب عائلتها ليشاركوها الطقوس التي كانت تقام في الكنائس والتي تعج عادة بالمصلين في هذا الوقت من كل عام، إلا أن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا حالت دون ذلك هذا العام.

 

على الرغم من ذلك "لم تتوقف الصلاة في الجزيرة السورية"، إذ تابعت كورية مع عائلتها كغيرها من مسيحيي المنطقة طقوس العيد من المنزل عبر منصات تواصل اجتماعي خصصت لنقلها من الكنائس.

 

"تحولت منازل المسيحيين لكنائس صغيرة ترفع الصلوات من خلالها، ليزيل الله تلك المحن التي عصفت بالمنطقة".

 

"أسبوع الآلام"

 

ويبدأ أسبوع الآلام بعد انتهاء صلاة الشعانين في يوم الأحد الذي يسبق أحد القيامة، لتلبس الكنائس الثوب الأسود للدلالة على آلام السيد المسيح، "إذ يتم استذكار صلب يسوع وموته في الجلجثة (الجبل الذي صُلب فيه المسيح) ودفنه، لينتهي هذا الأسبوع بعدها بأحد الفصح أو عيد القيامة المجيد، وبه ينتهي أيضاً الصوم الخمسيني عند المسيحيين".

 

ولم تتمكن "كورية" أيضاً من الذهاب للكنيسة يوم أحد الشعانين مع عائلتها كما اعتادت، بسبب الإجراءات الاحترازية التي قامت بها الكنيسة للحد من تفشي فيروس كورونا، كما لم تشاهد أولادها في الكنيسة كما كانوا سابقاً يحملون شموع الشعانين متجولين مع باقي الأطفال وراء الكاهن، الذي يحمل أغصان الزيتون وهو يطوف بهم حول الكنيسة.

 

طقوس كنسية عبر البث المباشر

 

وبدلاً عن ذلك، زيّنت جاكلين ثلاثة شموع ووضعت الكتاب المقدس على طاولة خشبية في إحدى غرف المنزل، ليطوف أطفالها حول الطاولة في محاكاة لطقوس الشعانين التي تجري عادةً في الكنيسة.

 

وتنضم جاكلين إلى الصلاة من منزلها، عبر البث المباشر، وكأنها داخل الكنيسة، فتبدأ برسم إشارة الصليب على وجهها، كلما ردد الكاهن الصلاة. في حين تحرص على أن تجيب على أسئلة أطفالها، لم لا يستطيعون الذهاب إلى الكنيسة؟ ولم يضطرون بدلاً عن ذلك المشاركة في الصلاة عبر البث المباشر؟

 

"أحاول أن أبسّط الأمر لأولادي، فأقول لهم إن السبب يعود إلى وجود ظروف صحية استثنائية نتيجة انتشار كورونا، لذا فإن إيقاف الطقوس وإقامة الصلاة بحضور المصلين في الكنيسة، يعود إلى حرصها على أن لا نصاب بهذا المرض".

 

"عيد الشعانين"

 

في عيد الشعانين، من كل عام، يرفع الكاهن البخور أمام الهيكل والأيقونات المنتشرة في الكنيسة، وأمام أيقونات القديسين، لتبدأ تلاوة الفصول الخاصة بالدورة، ومن ثم يدور الكاهن مع الشمامسة في أرجاء الكنيسة، ليتبعهما الحاضرون حاملين أطفالهم الصغار وفي أيديهم شموع مزينة، وذلك في طقس يرمز إلى دخول السيد المسيح مدينة أورشليم، بحسب الديانة المسيحية.

 

"خميس الأسرار"

 

"ويحل في هذا الأسبوع أيضاً خميس الأسرار، وهو عيد مسيحي أو يوم مقدس يسبق عيد الفصح، وهو ذكرى العشاء الأخير ليسوع المسيح مع تلاميذه، واليوم الذي غسل فيه يسوع أرجل تلاميذه ووعظ فيهم بأن يحبوا بعضهم البعض كما أحبهم هو، وترك لهم وصيته"، بحسب الإنجيل الكنسي.

 

ولم تستطع جاكلين هذا العام أن تشاهد بعينها ابنها الأكبر سباستيان ذا الأعوام السبعة ، وهو يشارك احتفال خميس الأسرار، فهي لم تحضر طقس غسل قدميه من قبل الكاهن، لأن الكنيسة كانت مغلقة أمام المصلين واكتفت بالبث المباشر للطقوس.

 

لذا ما كان أمامها إلا أن تجلس في يوم خميس الأسرار، إلى جانب ابنها الأوسط ستيبان، وابنتها الصغيرة إيليانور التي احتفلت بعيد ميلادها الأول منذ فترة قصيرة، ليتابعوا سيباستيان عبر البث المباشر من كنيسة "مار قرياقس" بمدينة القامشلي، حيث تم اختياره ليكون من بين شمامسة الكنيسة الأحد عشر، الذين يتم غسل أرجلهم تبعاً للطقوس الكنسية، وهو العدد الذي يرمز لتلاميذ السيد المسيح.

 

"بيض ملون"

 

ومن بين الطقوس المميزة التي يحييها المسيحيون، "تلوين البيض، الذي يرمز في كل الحضارات إلى تجدد الحياة، بينما بات له معنى جديد بالنسبة للمسيحيين في عيد الفصح"، بحسب ما تشرح جاكلين التي توضح أن "القشرة القاسية للبيض ترمز إلى حجر قبر السيد المسيح، حيث دُحرج وخرج منه النور يوم قيامة المسيح من الموت، في اليوم الثالث".

 

ولم يقتصر تأثير الوباء وإجراءات الوقاية منه على الكنيسة وطقوسها فحسب،  بل غابت أيضاً عن شوارع القامشلي الفرقة الموسيقية التابعة للفوج الكشفي للسريان، إذ كان من عادتها أن تتجول في شوارع المدينة بعد انتهاء كل صلاة في هذا الأسبوع، وهي تعزف المقطوعات الخاصة بالمناسبة.

 

لكن جاكلين حاولت عدم التخلي عن العادات المتعلقة بإحياء العيد، كصنع شجرة البيض الخاصة بعيد القيامة، وتلوين البيض لأولادها، إضافة إلى إعداد الحلويات.

 

 "أحاول أن أجعل هذا العيد مشابهاً للأعياد السابقة من حيث العادات والتقاليد بهدف إسعاد الأولاد بمجيء عيد القيامة".

 

وتقتضي العادة لدى الأطفال أن يقوموا بتحدي كسر البيض (الكاسير)، حيث يقوم كل طفل بوضع بيضة ملونة في كف يده محاولاً الإمساك بها بشكل محكم، قبل أن يدخل في تحدي طفل آخر، عبر بيضتين ببعضهما، وفي النتيجة يفوز من يكسر بيضة الآخر، وهي عادة تدخل الفرح إلى نفوس الأطفال.

 

وإذ تستمر جاكلين في رفع الصلوات من منزلها، تدعو بشفاء البشرية من الوباء، في حين تأمل أن تحتفل مع عائلتها بالعيد القادم في كنيسة "مار قرياقس" وسط القامشلي، وأن تتابع طقوس عيد القيامة من داخل الكنيسة، لا عبر البث المباشر.