سكان من قرى اللاذقية يروون لنورث برس كيف التهمت الحرائق شقاء أعمارهم

جبلة- نورث برس

خسر معتز المحمد، مزارع خمسيني من قرية بسوت شرق جبلة في ريف اللاذقية، ستة دونمات من بساتين الزيتون كانت لسنوات مصدر دخل لعائلته الصغيرة.

فالحرائق التي شهدتها محافظتي اللاذقية وطرطوس، في العاشر من الشهر الجاري التهمت مع بستانه شقاء عمره وهدية كان قد ورثها من أجداده.

ويقول المحمد: “هذه الأرض كنا نرثها من جيل إلى جيل، وأنا كنت فقيراً ومن أسرة فقيرة ولطالما كانت كرامتنا مرتبطة بهذه الأرض.” 

وأضاف لنورث برس “لم يكن لديّ ما أورثه لأولادي سواها، هي كل ما كنت سأقدمه لهم برأس مرفوعة، كما فعل والدي معي من قبل.”

الحرائق التي خلفت خسائر كبيرة في المنطقة أتت على أرضه المزروعة بالزيتون.

“شجرةً شجرة، متراً متراً، أمام عيني وأعين أولادي، لم يبق فيها شجرة واحدة، احترقت بكاملها.”

ويشير الرجل بتأثر شديد إلى أن الأشجار كانت في مرحلة الإنتاج وبداية قطاف الزيتون.

 لكنه يؤكد أنه حزنه ليس على فقدان موسم هذا العام، “في المواسم القادمة ستكون الأرض بوراً ولن نجد فيها سوى الرماد”، حسب تعبيره.

وكانت الحرائق الأخيرة في ريف اللاذقية قد وصلت إلى أراضي ومنازل قرية بسوت في ريف جبلة الشرقي.

 وأسفرت الحرائق عن موجة نزوح لسكانها إلى جبلة والقرى القريبة، قبل أن تخمد وحدات الإطفاء الحرائق في اليوم التالي ويعود السكان مجدداً.

لكن العودة لم تكن متاحةً للجميع إذ أن بعض المنازل احترقت بصورة كاملة، كما أن معظم الأراضي المشجرة لم يتبق فيها شيء.

 ويرى سكان القرية أن مأساتهم الأكبر تتجلى في أن أرضيهم لم تعد صالحة للزراعة خلال الفترة القليلة القادمة.

ولا يختلف حال ميمونة الناصر كثيراً عن حال “معتز”، وهي أرملة ستينية تسكن إلى جواره في القرية.

وتقول السيدة لنورث برس: “كنا قد بدأنا القطاف وجني بوادر الموسم قبل الحريق بيومين، إلى أن بدأت الحرائق تلتهم الجبال والقرى المحيطة بنا.”

وتضيف” الناصر” أن الحرائق سرعان ما التهمت أرضهم المتطرفة، لتحترق بالكامل.

 وتركت الصدمة أثارها على السكان وهو ما جعل الكثير غير مصدقين لما حدث معهم كحال “الناصر”.

 وتقول السيدة: “لم نكن نتوقع أن تصل النار سيما أننا كنا نسمع أن رجال الإطفاء يطوقون حرائق متعددة”.

وكانت الحرائق قد اندلعت السبت الفائت، في بانياس بريف طرطوس والمزيرعة بريف اللاذقية وقلعة قحطان في جبلة وأدت إلى نزوح آلاف المدنيين.

كما أعلنت الأمم المتحدة، الإثنين، عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة /79/ آخرين فضلاً عن تشرّد نحو /25/ ألف شخص جراء الحرائق.

ويروي ملاذ المرشد (34 عاما) لنورث برس كيف أن الحرائق أجبرتهم على مغادرة قريتهم ليل العاشر من الشهر الجاري.

ويتذكر كيف أن السكان بدأوا بمغادرة منازلهم، ليخرج القسم الأكبر من القرية عبر عملية إجلاء أشرف عليها الدفاع المدني.

ويشير إلى أنهم شعروا في تلك اللحظات بحيرة فإما التوجه إلى بعض المرافق الحكومية القريبة، أو النزول عند أقرباء في القرى المجاورة.

 وكان عليه أن يتجه مع عائلته إلى قرية عين شقاق القريبة، ليعود في اليوم التالي بعد أن أخمدت النيران فيها بصورة كاملة.

وكانت وسائل إعلام حكومية، قد أعلنت الخميس، إن الرئيس السوري بشار الأسد وجه بتخصيص مبلغ مليارين و/370/ مليون ليرة سورية لإنجاز مشاريع خدمية تعوض المتضررين من الحرائق.

وجاء ذلك بعدما شهدت مناطق في الساحل السوري خلال الأيام الماضية، موجات غضب بسبب “التقصير الحكومي” في إطفاء الحرائق التي فاقمت من خسائرهم.

كما تسأل سوريون عبر مواقع التواصل عن جدوى المبلغ المذكور لتعويض /237/ قرية تضرر فيها الآلاف.

وبخلاف جيرانه رفض محمود بركة (39 عاما)، مغادرة القرية بعد أن أمَّنَ أسرته لدى أقرباء له في جبلة.

 وقال لنورث برس: “بقيت مع عدد لا بأس به من شباب ورجال القرية لنساعد الإطفاء في إخماد الحرائق.”

ويشير “بركة” إلى أنهم أجبروا بعد ذلك للعمل أكثر من عشر ساعات متواصلة حتى تم تطويق النيران ومنعها من التقدم أكثر باتجاه منازل القرية.

 “بأبسط المعدات عملنا وبما هو متوافر بين أيدينا سواء بالأغصان المقطوفة أو بأدوات الحفر والزراعة.”

ويتحسر سكان القرية كما غيرهم من عشرات القرى المحيطة، من خسارة بساتين أشجار تمتد أعمارها لعقود، كما أن تعويضها أيضا يحتاج إلى سنين طوال.

إعداد: آدم أفرام – تحرير: جان علي