شاهدهم ينهبون المنازل.. قصة رجل من عفرين أدخل السجن ليشاهد أفظع الانتهاكات

 

ريف حلب الشمالي- دجلة خليل- نورث برس

 

لم يستغرب محمد أمين سمو، البالغ من العمر /60/ عاماً، حين رأى عناصر فصائل المعارضة يقومون بسرقة الأخضر واليابس من بلدته بمنطقة عفرين، فلا رادع يمنعهم وقد "أخذوا الضوء الأخضر من الجيش التركي الذي يدعمهم"، لكن لم يخطر له أن كونه شاهداً يكفي لتعريضه للسجن وأشد أنواع التعذيب التي لا يزال يعاني من آثارها حتى الآن.

 

وبدأت قصة سمو عندما اعتقله مسلحو فصيل "سلطان مراد" التابع لتركيا، في نيسان/أبريل 2018، أثناء مشاهدته لهم خلال قيامهم بنهب وسرقة أثاث منازل بلدته بلبل التي تبعد حوالي /50/ كيلومتراً شمال عن عفرين.

 

وشهدت مناطق عفرين عقب سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها أعمال سرقة وسلب ونهب على نطاق واسع رافقتها جرائم بحق الضحايا والشهود ووثقتها منظمات حقوقية محلية ودولية، فيما نشرت "نورث برس"  العديد من المواد الأخبارية والمصورة لتوثيق آثار سرقة ونهب القوات التركية ومسلحي الفصائل المدعومة منها لمحتويات منازل الأهالي في منطقة عفرين.

 

اختطاف الشهود

 

واقتيد الرجل الستيني، الذي كان يعمل سابقاً مزارعاً في قريته، إلى سجن مارع بريف حلب الشمالي، ليقضي فيه /18/ شهراً، ويتعرض خلالها للضرب والتعذيب والشتائم، وليكون من جديد ضحية وشاهداً في آن واحد على جرائم المسلحين بحق المعتقلين والمختطفين.

 

لا يغيب عن باله ما تعرض له جسده من تعذيب، فآلام ظهره ويديه لا تزال شاهدة على ذلك، "كان التعذيب وحشياً في سجن مارع، كانوا يعمدون إلى كسر أضلع وأيدي وأقدام المعتقلين بحجارة البلوك".

 

وكانت منظمة حقوق الإنسان في عفرين قد وثقت، في تقرير نشرته في /16/ كانون الثاني/ يناير الماضي، مقتل /54/ شخصاً من أهالي منطقة عفرين تحت تعذيب القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها.

 

 

وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت في تقرير، في آب /أغسطس 2018، إلى أن القوات التركية تطلق العنان للجماعات المسلحة السورية لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين في مدينة عفرين، من بينها الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ومصادرة الممتلكات وأعمال النهب.

 

لصوص وسجانون

 

يقول سمو إن السجن كان مجرد تتمة لما رآه في الخارج من سلب ونهب، ضمن سلسلة السرقة واعتقال الشهود والضحايا، ثم تعذيبهم بغرض تحصيل الفدى المالية، وربما إخراجهم لدفع الرشاوي للحواجز خارج السجن، "كان التعذيب بهدف إجبار المعتقلين على دفع الأموال، الاعتقال كان عشوائياً، إن مر أحد على حاجز لهم ولم يدفع المال يقومون باعتقاله وتعذيبه".

 

شلت حركة يديه لمدة طويلة داخل السجن، لم يكن يستطيع تحريكهما جراء تعليقهما وراء ظهره ورفعهما مع كامل الجسد بواسطة حبل إلى الأعلى، طريقة تعذيب عرضت السجناء لآلام وتمزقات في عضلات اليدين وظهره، "كانت يداي مشلولتان تقريباً، لا أستطيع تحريكهما، قمت من تلقاء نفسي القيام برياضة وتحريك يداي حتى لا يتوقف الدم في يديّ".

 

ويأوي سجن مارع، كغيره من السجون الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها، أدوات تعذيب وأساليب في إهانة المختطفين والمعتقلين، كما يضم غرفاً مخصصة للنساء، "كنا نسمع أصوات تعذيب النساء أيضاً، إلا أننا لم نكن نراهن".

 

"كان هناك في سجن مارع كل ما يخطر على بالك", يحاول بهذه العبارة أن يصوّر كل أشكال العنف والتعذيب التي لم يتذكرها أو تلك التي يتذكرها لكن لسانه يأبى الحديث عنها لفظاعتها.

 

ادفع ثم ادفع

 

بعد قضاء سنة ونصف السنة خلف قضبان سجن مارع، أجبرت الفصائل محمد على الاتصال بذويه وطلب فدية في سبيل إطلاق سراحه، "أدركت بأنني إن لم أدفع لهم فلن يخرجونني من السجن".

 

في سبيل إطلاق سراحه، أُجبر على دفع /4000/ ليرة تركية لفصائل المعارضة كفدية، ليعود إلى مسقط رأسه ويواجه واقعاً أكثر مرارة مما كان عليه في السجن، حسب تعبيره.

 

بعد خروجه، كان عناصر الفصائل، السجانون أنفسهم، يديرون المنطقة في الخارج يتربصون بالشهود على جرائمهم، المعترضين والصامتين، الكل في عفرين سجين ومشروع سجين، "لم تعد الحياة في عفرين كما كانت في السابق، إذا أطلقوا عليك الشتائم والإهانات وتحرشوا بالنساء، عليك أن تلتزم الصمت حتى تتمكن من العيش، وإلا ستتعرض للاعتقال على أيديهم".

 

رغم إطلاق سراحه وتوقف آلات التعذيب عن العمل في جسده داخل السجن، إلا أن العذاب اتسع ليشمل عفرين وسكانها جميعاً، فقرر التوجه إلى مناطق ريف حلب الشمالي، حيث يقطن مهجرو عفرين ، فدفع /265/ دولاراً أمريكياً لقاء خروجه من عفرين.

 

وتكمن المفارقة في أن من سرقوا قريته هم مسلحو فصيل "السلطان مراد" وهو أنفسهم من اقتادوه إلى السجن وهم الذين أخرجوه من عفرين مقابل المال الذي دفعه، يقول مستغرباً "الفصيل ذاته قام باعتقالي ومن ثم قام بإخراجي من عفرين".