عائلة عفرينية اكتوت بنيران تركية.. أمّ تروي مأساة أطفالها الأربعة

 

حلب – زين العابدين حسين – نورث برس

 

من بلدة جنديرس في ريف عفرين، إلى مدينة عفرين ومنها بسيارة إسعاف إلى مشفى الجامعة بمدينة حلب، رحلة قصيرة بمحطاتها ومسافتها، طويلة بمعاناتها وأحداثها التي قلبت حياة عائلة رأساً على عقب، لتمتزج معاناة كل فرد منها وتشكل عذاباً مستمراً مع النزوح بعد سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها على المنطقة في آذار/مارس 2018.

 

جنة بكو ( 33عاماً)، مهجرة من عفرين، وهي أم لخمسة أبناء وبنات فقدت الكبرى حياتها في عفرين، لا تذكر الكثير عن ظروف نزوح عائلتها من بلدتها جنديرس التي سيطر عليها الجيش التركي وفصائل المعارضة الموالية له سوى "اشتداد القصف" الذي أجبرها على الخروج، ذلك لأن ما جرى بعدها في عفرين المدينة كان أشد هولاً، حيث بات معظم أفراد العائلة ضحايا للقصف التركي.

 

تقول الأم المعروفة باسم أم منذر، لـ"نورث برس"، إنهم خرجوا من البلدة عندما اقتربت الفصائل المعارضة والجيش التركي، ليتوجهوا إلى حي المحمودية في مدينة عفرين والذي بقوا فيه حوالي /20/ يوماً تقريباً، ليمضوا بعدها إلى حي الأشرفية وذلك بسبب اشتداد القصف على المحمودية.

 

وكانت القوات التركية قد سيطرت مع فصائل المعارضة التابعة لها على بلدة جنديرس الاستراتيجية، جنوب غرب عفرين، في الثامن من آذار/ مارس عام 2018، بعد معارك واشتباكات عنيفة مع وحدات حماية الشعب، لتتقدم القوات المهاجمة بعدها نحو مركز مدينة عفرين معززة بعشرات الطائرات خلال العملية العسكرية التركية التي بدأت في /20/ من كانون الثاني/ يناير من العام نفسه.

 

أطفال ضحايا

عندما بدأ قصف عنيف على حي الأشرفية في /14/ آذار/ مارس، كانت عائلة أم منذر رفقة عائلة أخت زوجها في الحي، حاولت العائلتان بلوغ القبو المقابل للمنزل الذي يقيمون به، وكان الهم الأول للكبار هو إيصال الأطفال إلى الطرف الآخر لشارع الحي الذي أصبح بكامله هدفاً للقصف، لكن القذائف سقطت بالقرب منهم لتحصد حياة ابنة أم منذر الكبرى "كورجين" ذات السنوات السبع وابن أخت زوجها.

 

وتسببت الهجمات التركية للسيطرة على مدينة عفرين في آذار/مارس من العام  2018بفقدان مئات المدنيين لحياتهم، بالإضافة للإصابات التي خلفت إعاقات دائمة لعدد غير معروف من الأشخاص إثر وجهات نزوح مختلفة أبرزها مناطق ومخيمات في ريف حلب الشمالي.

 

فقدان أم منذر طفلتها الكبيرة، لم يكن خسارتها الوحيدة ذلك اليوم، شظية في العمود الفقري شلت النصف السفلي لجسد ابنتها الصغرى "آفرين"، بينما تسببت شظية في الرأس لابنها منذر بحالات هيسترية وتصرفات عنيفة بالإضافة لفقدانه ثلاثة أصابع من يده اليمنى.

 

في المشفى الذي يحمل مصادفة اسم ابنتها الصغرى ذاته "آفرين" في مركز المدينة، كانت الأم، الحامل والمصابة بشظايا أيضاً، مذهولة من أثر الصدمة، وسط عشرات الآباء والأمهات والمصابين الآخرين، "لقد استشهدت ابنتي في الدقائق الأولى، لم أرها ولم أر حتى جثمانها ولا حضرت تشييعها، فلم أكن (صاحية) وكنت مصابة بعدة شظايا".

 

ولم تكن المقابر والمشافي مكاناً آمناً خلال القصف التركي، حيث أنشئت مقبرة على عجل قرب المدينة "مقبرة الشهيدة آفيستا"، وكان معظم الضحايا يدفنون مع التوابيت على عجل ودون المراسم التي كانت تقتضيها الأعراف سابقاً، في حين تعرض مشفى آفرين مرات عديدة للقصف، وقد ذكر بيان لقوات سوريا الديمقراطية حينها إن حصيلة ضحايا القصف التركي على المشفى "المكتظ بالجرحى" يوم /16/ آذار/ مارس قد بلغت العشرات، في حين حاولت وسائل إعلام تركية "تضليل الرأي العام" حين نشرت تصويراً لمبنى قريب على أنه المشفى وأنه لم يتعرض لأضرار، بحسب البيان نفسه.

 

مأساة مستمرة

في مشفى الجامعة بحلب، أوضح الكادر الطبي أن الطفلة "آفرين" لا تتحكم بأي من أجزاء جسمها اسفل الخصر، وأنها ستبقى هكذا لتتحمل الأم مسؤولية "تحفيضها وإجراء معالجة فيزيائية لها بشكل يومي منذ عامين وحتى الآن".

 

وتبدو الأم بكو متخوفة مما قد يؤول إليه حال ابنتها، ذات السنوات السبع، فهي تجهد رغم معاناتها من آلام الديسك في رعايتها بهدف "عدم حصول ضمور عضلي لها ومعالجة التهابات المجاري البولية التي تصيبها بين الحين والآخر" ما يجبرهم على إدخالها المشفى كل فترة.

 

ولا يبدو الطفل منذر، والذي كان يبلغ أربع سنوات وقت الحادثة، في حال جيدة، فهو لا يدرك نتيجة تصرفاته العنيفة والانتقامية، وقد حاول قبل أشهر إحراق أخيه الصغير "خوشناف" ، البالغ من العمر عاماً وسبعة أشهر، حيث تشوه وجه أخيه بشكل كبير، ما استدعى إجراء عدة عمليات جراحية لمعالجته، " قمنا بإجراء ثلاث عمليات جراحية لخوشناف ويحتاج لعملية رابعة له وفق ما أخبرنا الطبيب المعالج، ستكلف هي الأخرى من /250/ ألف إلى /300/ ألف ليرة".

 

ظروف عصيبة

وتضيف أن الأب هو المعيل الوحيد للعائلة وليس بمقدوره تأمين مستلزمات العائلة كلها من عمله كعامل يتلقى أجرة يومية، فهم ثمانية أشخاص في المنزل، حيث يقيم معهم والداها اللذان يساعدانها في الاهتمام بالأطفال، خاصة أثناء مرافقتها أحدهم للمشفى، هذا عدا مصاريف المعالجة والعمليات التي تبلغ وسطياً /200/ ألف ليرة شهرياً، وفق ما تشرح جنة بكو.

 

تحتاج عائلة أم منذر حالياً إلى الاستدانة من جديد لتغطية تكاليف عملية "خوشناف"، والمعالجة الفيزيائية اليومية لـ"آفرين"، ومتابعة الحالة الصحية والنفسية لـ"منذر"، عدا عن أجور المعاينات الطبية وثمن الأدوية لثلاثتهم ومصاريف الحياة اليومية للعائلة عموماً. "خرجنا من عفرين دون حمل ثيابنا حتى، والآن نعتمد على الديون".

 

تقول أم منذر إنها لا تتلقى مساعدات من منظمات إنسانية وإن من ساعدوها من المعارف لا يملكون الإمكانات للاستمرار في مساعدتهم بعد الآن، بينما تفكر هي بمصير أبنائها الذين أصبحوا ضحايا لقذائف الحرب التي هجرت مئات الآلاف من سكان عفرين الذين لا يزالون في معاناة بسبب آثارها.