وثق حرب عفرين.. قصة فريدة لكاتب سبعيني جاب جبهات القتال

 

قامشلي- زانا العلي- نورث برس

 

كان عبدالله قره مان / شكاكي/، /69/عاماً، على وشك البدء بكتابة المجلد الرابع من كتابه "وطن الشمس" حين بدأت العمليّة العسكريّة التركيّة على مدينته عفرين مطلع عام 2018، لينقطع عن سلسلة بحثه التاريخي ويتحول إلى تدوين الأحداث الجارية وتوثيقها، تمهيداً لإصدار كتابه "مقاومة العصر".

 

فحينها لم يتمكن شكاكي، كباقي سكان مدينة عفرين وقراها، من متابعة أمور عائلته خلال القصف والهجمات، بسبب انشغاله بتوثيق الأحداث بقلم ودفتر، مفتقراً لأبسط أدوات التوثيق من جهازٍ لتسجيل الصوت أو كاميرا.

 

وشنّ الجيش التركي في /20/ كانون الثاني/ يناير 2018 هجوماً جويّاً عنيفاً، أمطرت الطائرات الحربية خلاله منطقة عفرين بآلاف القذائف، ورافقه هجومٌ برّيّ واسع بمشاركة فصائل المعارضة السورية المسلّحة التابعة لتركيا.

 

طوال /55/ يوماً استغرقته الحرب، كان شكاكي يتجول مع دفتر صغير في أرجاء المنطقة التي وثق فيها عمليات الهجوم على وقع هدير الطائرات ودوي القصف العنيف. ولم تمنعه انحناءة ظهره ولا بياض شعره من الذهاب إلى الجبهات ليوثّق الحرب بقلمه، على الرغم من مواجهته صعوبات في الحصول على الإذن للتنقل بحرية، لأن قيادات من وحدات حماية الشعب منعته مراراً "حرصاً عليه"، وفق ما كانوا يخبرونه.

 

يقول شكاكي إنه جمع بعد حصوله على جهاز تسجيل في تلك الفترة /80/ شهادة، ما يعادل /100/ ساعة من التسجيلات الصوتية لأشخاص من السكان ومقاتلين من وحدات حماية الشعب في الجبهات، بالإضافة إلى شهادات جرحى في المستشفيات.

 

كان يرى نفسه داخل الأحداث هذه المرة، فتغدو مشاهداته أساساً لسعيه من أجل توثيق مجزرة نفذتها الطائرات الحربية التركية هنا أو مقاومة قام بها مقاتلو عفرين هناك في وجه تقدم فصائل المعارضة.

 

في منتصف شهر آذار/ مارس 2018 ومع سيطرة الجيش التركي على المزيد من المناطق في عفرين، وجد شكاكي نفسه مجبراً على المغادرة، "لم أُخرج معي من عفرين سوى دفتري الصغير".

 

في تلك الأثناء كانت العائلات تخرج من عفرين تباعاً، في مشاهد جسدت أكبر عمليات التهجير القسري منذ بدء الحرب في سوريا قبل نحو ثماني سنوات، إذ خرج من هذه المنطقة أكثر من /300/ ألف شخص في غضون أيام، وفقاً لإحصائية خاصة بمنظمة حقوق الإنسان في عفرين. 

 

في حين قدرت الأمم المتحدة أعداد النازحين من عفرين في الأيام الأولى عقب العملية العسكرية التركية بـ/170/ ألف شخص.

 

يستذكر شكاكي الأيام العشرة بعد نزوحه، "كنت أنام حيناً في القرى المهجورة وأحياناً داخل السيارات"، إلى أن وصل إلى مخيم سردم في قرية تل سوسيان في ريف حلب الشمالي، حيث لجأ العديد من مهجري عفرين.

 

وفي الوقت الذي كان يفكر بالبحث بين المهجرين عن شهادات أخرى، "استلمت الخيمة ذات الرقم /163/ في المخيم"، يقولها بألم، هو الذي تدهورت حالته الصحية بعد انخفاض في ضغط دمه ليجري إسعافه حينها من قبل جمعية خيرية، "لم أكن أتوقع أني سأقوى مجدداً على الوقوف وأمارس حياتي بشكل طبيعي، أحيانا كنت أظن نفسي ميتاً".

 

يقول شكاكي إن طفلاً في المخيم سأله عن أفراد عائلته فأخبره أنهم ليسوا معه، فأجابه الطفل أنه وحيد أيضاً بعد فقدانه والده أثناء الحرب الأخيرة.

 

بعد شفائه، توجه شكاكي إلى مدنية كوباني ومنها إلى القامشلي، باحثاً عن مهجرين آخرين لتوثيق قصصهم وشهاداتهم.

 

يسكن شكاكي حالياً مع عائلته في شقة بحي الأربوية في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، حيث بدأ منذ وصوله إليها قبل نحو عامين بكتابة ما وثقه خلال الحرب.

 

لكن عمله في الكتابة لم يكن سهلاً، لأنّ تنضيد كل التسجيلات على "اللابتوب" يستلزم جهداً كبيراً من رجلٍ في هذه السن.

 

" كنت أجلس لساعات طويلة وأنا أكتب، أحياناً أبدأ صباحاً بالكتابة ولا أفارقها إلّا والساعة تشير إلى منتصف الليل".

 

في /20/ من كانون الثاني/ يناير الفائت، أعلن شكاكي عبر حسابه على موقع التواصل فيسبوك أنه انتهى من تنضيد كتابه "مقاومة العصر" بعد مرور /24/ شهراً من بدء الهجمات التركية التي تسببت بانتهاكات وقصص معاناة وثقها في كتابه.