طاهية المخيم.. سيدة من سري كانيه على دروب التهجير

حسكة – نورث برس

في ظروف إنسانية واقتصادية صعبة، تعمل فاطمة محمد (40 عاماً)، في مطبخ بمخيم يعيش فيه آلاف النازحين من سري كانيه (رأس العين)، في مدينة حسكة شمال شرقي سوريا.

تبتسم فاطمة لوهلة وتحاول أن تعود بذاكرتها إلى اللحظات التي سبقت الهجوم التركي قبل عام، حين كانت منهمكةً بتدبير أمور منزلها استعداداً لاستقبال الشتاء.

وتقول إن الحياة كانت هانئةً في مدينتها، “لم يكن ينقصنا شيء، وكنا نعيش بأمانٍ وكرامة.”

ودفع الهجوم الذي شنّته تركيا بمشاركة فصائل سورية مسلّحة في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الفائت على سري كانيه وتل أبيض إلى تهجير نحو /250/ ألف شخص، وفقاً لبيانات منظمات حقوقية.

وتقول فاطمة إن الهجوم على المدينة كان مفاجئاً رغم التهديدات شبه اليومية التي كان يطلقها الرئيس التركي “أردوغان” عبر وسائل الإعلام بشنِّ هجومٍ على المنطقة.

وتضيف السيدة، وهي أمٌّ لستة أطفال: “لقد كنت أنظّف المنزل تحضيراً للشتاء. شاهدت في الصباح طائرتين تحلّقان في سماء المدينة، في البدء ظننت أنهما مألوفتان، لكني قلت لاحقاً لجارتي إن هاتين الطائرتين تبدوان غريبتين، يبدو أنهما تابعتان لتركيا.”

وبعد ذلك بساعات بدأ القصف التركي على المدينة وبدأ دويّ أصوات القصف يطغى على هدوء المدينة. في هذه الأثناء كان السكان قد بدؤوا بالفرار تاركين وراءهم كل شيء.

تقول فاطمة إن زوجها لم يكن في المنزل حينها، ما دفعها للدخول إلى المنزل وإقفال الباب على نفسها وأطفالها بسبب الذعر الذي انتابهم.

“بقينا محبوسين حتى ساعات المغيب، حينها كان أكثر من نصف سكان المدينة قد غادروا، اتصلت بزوجي لكن لم يكن بوسعه إخراجنا من المدينة، فاضطررنا لمغادرة المنزل بسرعة تاركين كلَّ شيء خلفنا.”

وأضافت أن القصف كان وحشياً، وأن معظم السكان، وخاصةً المسنين والأطفال، كانوا فزعين جداً، “حيث طغت أعمدة الدخان والصرخات على المدينة التي كانت هادئة قبل لحظات.”

على دروب النزوح

وتتحدث فاطمة عن خلّو المدينة من معظم سكانها، وتقول إنها كانت تبكي بفزعٍ حين كان دويُّ القصف يطرق أذنيها.

“في نهاية المطاف خرجنا. رأيت بعض المدنيين في الشوارع، بينما كان هناك مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية يتمركزون في الخنادق وفي مواقع داخل المدينة للدفاع عنها.”

وأثناء رحلة النزوح إلى مدينة حسكة، شاهدت السيدة عائلات كانت تفترش الطرقات والعراء وأخرى تنام بين الأراضي الزراعية.

“بينما كان آخرون يقفون مدهوشين وهم يراقبون مدينتهم التي تلوح من بعيد وهي تتلقى القذائف دون أن يكون في يدهم حيلة لإنقاذها.”

وتضيف وهي تحبس دموعها: “كانت لحظات عصيبة.”

في مدينة حسكة، لجأت فاطمة وأطفالها إلى مدرسة كانت قد جُهِّزت على عجلٍ لإيواء الفارين، لكن زوجها الذي بقي في المدينة وانضمَّ إلى المدافعين عنها، لم يغب عن تفكيرها.

“مضت ستة أيام دون أن نسمع عنه شيئاً، كنّا نعتقد أنه قد فارق الحياة، كانت أياماً كالحة.”

“ختموا منزلنا بالشمع الأحمر”

وعلمت العائلة من بعض جيرانها الذين عادوا إلى المدينة، أن الفصائل المسلّحة التابعة لتركيا قامت بسرقة جميع محتويات منزلها، وختموه بالشمع الأحمر ومنعوا أيّ شخصٍ من الاقتراب منه، وقالوا إنه باتَ مِلكاً لهم.

“الآن، ووفقاً للمعلومات التي حصلنا عليها، فإن عائلات لعناصر الفصائل هي من تقطن دارنا.”

ومضت فاطمة في حديثها وهي تعدُّ الطعام: “إحدى جاراتي حاولت إخراج أغراضها، لكن مسلّحي الفصائل منعوها من إخراج أيّ شيء وقالوا لها إن محتويات المنازل أصبحت لهم، وطردوها من المدينة.”

وإلى جانب عائلة فاطمة، تقطن نحو /700/ عائلة أخرى في مخيم “سري كانيه” الذي أنشأته الإدارة الذاتية مؤخراً في حي الطلائع شرقي مدينة حسكة.

ويعيش معظم النازحين في المخيمات ومراكز الإيواء بعد أن تقطعت بهم السبل وعجزوا عن استئجار منازل في ظل الوضع الاقتصادي السيء، بينما لا يزال احتمال العودة بعيداً.

وأشارت فاطمة بحزنٍ إلى إحدى الخيم: “أحد جيراننا توفي إثر سكتة قلبية من شدة حزنه بعد تردي الأوضاع في المخيمات.”

تتوقف السيدة الأربعينية قليلاً عن الحديث لتنظر إلى طفلها ذو السنوات الستة، وتقول: “نؤمن بالعودة مجدداً للعيش في كنف مدينتنا التي ترعرعنا فيها، فلا بُدَّ للأرض أن تعود لأصحابها ولو بعد حين.”

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: عبدالله شيخو