شائعة في الرقة تتسبب بفقدان رب أسرة لبصره وتغير مجرى حياته
الرقة- أحمد الحسن- نورث برس
لم يتمكن محمد عبدالحميد علي (32 عاماً)، من سكان حي الانطلاق جنوبي الرقة، من استكمال علاجه بعد فقدان بصره إثر حادث سير أثناء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على المدينة، ليكون ابنه الذي يعتمد عليه حالياً ضحية أخرى لتداعيات الحرب المؤلمة.
السادس والعشرون من شهر آذار/ مارس 2017، لم يكن يوماً طبيعياً في حياة محمد ولا لسكان مدينة الرقة الذين لا يزالون يصفون ذلك اليوم بـ"القيامة"، حيث اتجه السكان صغاراً وكباراً إلى مخارج المدينة خوفاً من انهيار سد الفرات وغرق المدينة بعد انتشار شائعة حول احتمال انهيار سد الفرات.
و انتشرت الشائعة حينها بعد تداول أنباء عن استهداف طائرات التحالف الدولي لسد الفرات ووجود احتمال لانهياره، ما تسبب رغم عدم صحة الخبر بحالة هلع وخوف بين المدنيين الذين راحوا يتزاحمون على حواجز تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش)، في محاولة للنجاة بأنفسهم في حال انهيار السد.
تعرض علي في ذلك اليوم، لحادث سير غير مجرى حياته بالكامل نتيجة الازدحام والهلع وسرعة إحدى السيارات الفارة من المدينة. ونتيجة للحادث، فقدت عينه اليمنى البصر فيما أصيبت العين اليسرى بضمور عصب بنسبة /95/ بالمئة، لكن منع مسلحي التنظيم سكان الرقة من المغادرة بأي حال، تسبب بتدهور حالته.
وكانت المعارك آنذاك بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي، وعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية"(داعش) تتركز في مدينة الطبقة ومحيط سد الفرات المحاذي لها في ريف الرقة الغربي.
حاول محمد علي جاهداً تدارك إصابته عن طريق مراجعة أطباء في الرقة، إلا أنهم أجمعوا على حاجته لإجراء عمل جراحي في أحد المشافي التخصصية في دمشق أو حلب، وعند محاولته السفر لمعالجة عينيه، منعه عناصر التنظيم، لتكون تلك آخر لحظات إبصاره وفق ما سرد لنورث برس.
وكانت عمليات النزوح والفرار من مدينة الرقة آنذاك، تتم عبر نقلهم من قبل مهربين إلى الضفة الجنوبية لنهر الفرات، لمنع تنظيم "الدولة" الخروج من المدينة، بعد دفع مبالغ مالية تزيد على /50/ ألف ليرة سورية عن الشخص الواحد، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
كان علي و قبل أن يفقد بصره يعمل على بيع "عرق السوس" و"التمر الهندي" في الرقة وهي مهنة ورثها عن أبيه، لكنه الآن وبعد فقدان بصره يعجز عن ممارسة العمل الذي يعتمد على حسن معاملة وحركات متقنة أثناء تقديم المشروبات للزبائن. لكنه الآن يجوب شوارع المدينة حاملاً عدداً من قطع البسكويت ليبيعها ومتكئاً بيد على عكاز وبالأخرى على ابنه أمير ذي الأعوام الستة، والذي لم يلتحق بالمدرسة ليقود والده في تجواله.
"ابني أصبح بصري، هو الذي يساعدني في العمل ويوجهني في الطريق"، ويقول بأسى، "حرمت ابني ذا الست سنوات من الذهاب إلى المدرسة لأعتمد عليه في العمل".
,حاول الرجل مؤخراً التواصل مع مكتب ذوي الاحتياجات الخاصة في مجلس الرقة المدني، علّهم يؤمنون دخلاً بسيطاً لعائلته المكونة من طفلين وأمهما، كما حاول التواصل مع بعض المنظمات الإنسانية في مدينة الرقة "لكن دون فائدة"، على حد قوله.
لكن مكتب ذوي الاحتياجات الخاصة في الرقة، التابع لهيئة الشؤون الاجتماعية، لا يملك إمكانات تقديم خدمات صحية واجتماعية وتعليمية لهذه الشريحة، وفق ما صرح به عيسى إبراهيم الشيخ، رئيس مكتب ذوي الاحتياجات الخاصة في الرقة، لـ"نورث برس".
يأمل علي أن يتمكن من الرؤية مجدداً، من خلال إجراء عملية في مشفى تخصصي أو خارج البلاد، "أتمنى مساعدتي لأرجع إلى الحياة، وأرى الدنيا التي حرمت منها".
"أمير عيوني" و "تبارك عيوني" عبارتان طلب الأب كفيف البصر من عامل الدهان كتابتهما على أحد جدران منزله، رغم أنه لم يستطع حتى الآن تمكين ابنه من ارتياد المدرسة وقراءة العبارتين. "لا يقهرني سوى انقطاع طفلي عن التعليم بسبب عمله معي".