18 عاماً لبناء منزل نُهب خلال ساعات.. مأساة نازح من سري كانيه
الحسكة – جيندار عبدالقادر – نورث برس
في غرفة صغيرة في أحد مراكز الإيواء في مدينة الحسكة يقطن حميد سينو، الذي ينحدر من حي المحطة الجنوبي بمدينة رأس العين/ سري كانيه، وعائلته المكونة من خمسة أفراد، بعدما فروا من مدينتهم نتيجة الهجمات التي شنّها الجيش التركي.
خسر سينو كامل أملاكه وأماكن ذكريات طفولته وشبابه، وبات نازحاً بمدرسة عبدالله القادري في حي المفتي، المدرسة التي باتت أحد مراكز الإيواء في مدينة الحسكة واحتوت عشرات العائلات الفارة من المعارك التي دارت في مدينتهم.
في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بدأت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها عملية عسكرية في شمالي سوريا، سيطرت على إثرها على مدينتي رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض بعد معارك دامية مع قوات سوريا الديمقراطية.
يسرد سينو الساعات الأولى من الهجوم التركي على مدينته، "لم يبقَ مكان لم تستهدفه الطائرات التركية، قصفوا مؤسسة الكهرباء والمياه والبريد وقاموا بقصف أطراف المدينة وقرية مشرافة ومحطة مياه علوك".
بقي نحو أربع ساعات حتى تمكن من الخروج من داخل المدينة رفقة عائلته، نتيجة أزمة السير وحركة السيارات الكثيفة، "كان القصف عنيفاً على أحياء المدينة التي أصابها الشلل التام، هربنا خوفاً على أطفالنا".
واستغرقت مسيرة العائلة أكثر من أربع ساعات أخرى بالسيارة إلى أن وصلوا إلى مدينة القامشلي، ليتوجهوا بعدها بساعات إلى الحسكة بعد أن عانوا كثيراً بسبب الازدحام وأزمة السير على الطرقات، وتألموا أكثر بسبب ما حدث لهذه الجموع التي رافقتهم.
يصمت سينو قليلاً عن سرد مأساته، ثم يقول بلهجته العامية، "الله لا يشوفها لحدا"، في إشارة منه إلى ما حل بمدينته رأس العين وأبنائها المُهجرين الذين اتخذوا وجهات مختلفة من مدن وبلدات الجزيرة أبرزها مدينتا الحسكة والقامشلي.
وتسببت العملية العسكرية التركية في شرق الفرات بمشاركة فصائل المعارضة، بنزوح نحو /300/ ألف شخص فروا من مناطق سكنهم، بحسب إحصائيات منظمة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش).
كان سينو قد تزوج منذ /18/ عاماً ويعمل موظفاً في مؤسسة الكهرباء التابعة للحكومة السورية، استطاع خلال تلك السنين أن يبني بيتاً يعيش فيه مع عائلته، لكنه خسر كل شيء خلال ساعات.
"وصلتني صور من منزلي، نهبوا الأدوات الكهربائية والسجاد والألبسة وحطموا الأواني، لم يبقَ شيء في بيتي".
وسمع سينو بقصص مشابهة حدثت لممتلكات جيرانه ومعارفه في المدينة، يقول إن أحد معارفه يملك محولة كهربائية على أرضه الزراعية تقدر ثمنها بنحو /20/ مليون ليرة سورية، قامت الفصائل المسلحة بإنزالها وتفكيكها، ويستغرب " كل ذلك في سبيل بيع النحاس الذي في داخلها بمبلغ لا يقدر حتى بـ/20/ ألف ليرة سورية!!".
ورغم أن العائلة تفتقد عوامل وظروف الاستقرار في مركز الإيواء الذي لا يستطيع تأمين معظم احتياجاتهم، لكنه يبقى برأي سينو أفضل من المدينة التي غاب عنها الأمان، مؤكداً استعداده على العودة إلى مدينته على الفور في حال "كانت هناك ضمانات دولية بعدم التعرض لهم"، ولكن لا توجد أي ضمانات حتى اللحظة.
كيف يعود وقد سمع عن اختطاف جاره، خلف العيادة، "بتهم لا صحة لها" وتطالب بفدية مالية للإفراج عنه، بالإضافة إلى الكثير من حالات السرقة والانتهاكات بحق للسكان، على حد وصفه.
ولا تزال مدينتا رأس العين/ سري كانيه وتل أبيض، ومدن وبلدات أخرى تحت سيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة التابعة لها، تشهد انتهاكات مستمرة في ظل صمت المجتمع الدولي والدول الموجودة على الأراضي السورية، ولا توجد حتى اللحظة ضمانات لعودة عائلة سينو ومئات الآلاف من النازحين إلى منازلهم المنهوبة والمدمرة.