"أهلي تاجروا بي".. قصص تختزل معاناة قاصرات تزوجن في منبج السورية

منبج- صدام الحسن- نورث برس

 

تختزل قصة هدى (اسم مستعار) مصير مثيلاتها من الفتيات اللاتي تزوجن في عمر مبكر، ليجدن أنفسهن أمام أعباء ومسؤوليات غير قادرات على تحملها، فتتخذن بعد تحمل وصبر قرار الطلاق، ليواجهن بعده خيارات أخرى أكثر مرارة بسبب نظرة المجتمع للمطلقات من جهة ومعاناة التهيؤ لزواج آخر من جهة أخرى.

 

بدأت قصة هدى، وهي من سكان مدينة منبج شمالي سوريا، عندما تزوجت في الرابعة عشر من عمرها، من رجل يكبرها بـ/15/ عاماً، لتجد نفسها بعد أربع سنوات من زواجها مطلقة وأماً لثلاثة أطفال، لتعود كباقي المطلقات إلى منزل أهلها، الذين أجبروها على الزواج من رجل آخر بعد أشهر فقط من طلاقها، وكانت "القسمة والنصيب" هذه المرة رجلاً جاوز الـخمسين عاماً.

 

وبحسب إحصاءات دار المرأة في مدينة منبج فإن من بين كل عشر نساء تزوجن بعمر مبكر، اثنتان إلى ثلاث نساء انتهت حياتهن الزوجية بطلاق.

 

توفي زوج هدى الثاني بعد إنجابها لطفل  ضمته إلى أطفالها الثلاثة، لتحمل هدى صفتي "مطلقة وأرملة" عبئاً ثقيلاً على كاهلها، بالإضافة لمسؤولياتها كأم وهي لا تزال في التاسعة عشرة من عمرها.

 

"فقدت الكثير بسبب الزواج المبكر، حرمتني الالتزامات الأسرية من عيش طفولتي، كنت لا أزال طفلة حين تزوجت والآن مطلقة وأرملة وأم لأربعة أطفال".

 

وأضافت بعد صمت دام بضعة ثواني، " لم أذهب إلى المدرسة، طبيعة عاداتنا وتقاليدنا حرمتني من التعليم، وترى أن نهاية المرأة بيت زوجها".

 

وتلجأ بعض العائلات إلى تزويج بناتها القاصرات بغرض التخفيف من مصاريف معيشتها والاستفادة من مقدم مهرهن ومؤخره, كحال سناء(اسم مستعار)، /17/ عاماً من مدينة منبج، والتي أرغمها والدها في ظل ظروف معيشية صعبة على الزواج وهي في الثالثة عشرة من العمر.

 

تصف سناء زواجها بـ"المتاجرة بها"، إذ أجبرها والداها على الزواج في المرة الأولى، إلا أنهما أقنعاها "بعد مرور شهرين فقط" بالطلاق، ليتمكن الوالد من "أخذ مهرها وقت الزواج ومؤخرها بعد الطلاق"، حسب ما تقتضيه الأعراف في المنطقة.

 

لم تمر سوى ثلاثة أشهر على طلاقها من زوجها الأول، حتى أرغمها والداها للمرة الثانية على الزواج من رجل آخر،" كل مدة زوجة لرجل في مكان ما.. كانت عائلتي تتاجر بي كالبضاعة".

 

وكان القاضي الشرعي الأول لدى الحكومة السورية، محمود المعراوي، قد قال في آذار/ مارس من العام الفائت، إن نسبة زواج القاصرات قد ارتفع في سوريا خلال سنوات الحرب إلى /13/ % بعد أن كانت لا تتجاوز ثلاثة في المئة قبل الحرب، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن المقربة من الحكومة.

 

وفي حديثها لـ"نورث برس"، تقول سناء إنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، لكنها لا تلبث أن تتراجع في اللحظات الأخيرة "خوفاً على سمعة أهلها، أحرص على عدم إيلامهم رغم أنهم السبب في كل ما حدث لي".

 

عاشت سناء تجربة الطلاق المريرة للمرة الثانية، لكنها بذلت جهدها هذه المرة لبناء حياة مستقلة بها من خلال عملها حالياً كموظفة في إحدى المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية في منبج.

 

ولم تتمكن فاطمة (اسم مستعار)، البالغة من العمر /18/ عاماً وهي من ريف مدينة منبج، الحصول على حياة مستقرة حتى بعد طلاقها  " الحياة في منزل أهلي أسوء من الجحيم, بعد وفاة والدي ووالدتي وتسليم زمام الأمور لزوجات اخوتي".

 

وبلغ عدد حالات الطلاق في مدينة منبج وريفها خلال العام 2019, /230/ حالة طلاق بسبب الزواج المبكر، بحسب دار المرأة في منبج.

 

يقول القائمون على "دار المرأة" إنهم يسعون للحد من زواج القاصرات، وقالت الإدارية في الدار سهام الأحمد، لـ"نورث برس" إن "قانون زواج القاصرات،  سيتم تطبيقه في بداية شهر آذار/ مارس المقبل، لضمان حقوق المرأة في السن المبكرة ويعرض أهل الطفلة والزوج للمساءلة القانونية".

 

ككثير من حالات زواج القاصرات، وبعد ثلاث سنوات من زواج في سن الخامسة عشرة، من رجل لا تعرفه حتى، كانت فاطمة قد وجدت نفسها أيضاً أماً لطفل ومطلقة في منزل أهلها، "عانيت الكثير أثناء زواجي بسبب ضغوط الحياة الزوجية، إضافة إلى الحمل والإجهاض وعدم الرعاية والاهتمام من قبل أهل زوجي".