منبج – صدام الحسن – نورث برس
لم يكن أحمد السيد، (27 عاماً)، يتوقع أن ينتهي به المطاف في ممارسة حرفة تتطلب جهداً جسدياً وتفوق طاقته قبل أن يحرم من نيل شهادته الجامعية التي كان على وشك الحصول عليها بسبب انتهاء صلاحية وثيقة التأجيل الخاصة بالالتحاق بـ"خدمة العلم" (الخدمة العسكرية).
وبدأت قصة الشاب عندما اضطر للبقاء في المنزل وعدم الذهاب للجامعة إثر وفاة والده قبل عامين لحين انتهاء فترة العزاء، ليجد بعدها أن تأجيله الدراسي قد انتهى، ككثيرين من طلاب الجامعات في سوريا، الذين عانوا قصصاً مماثلة لا تظهر للعلن غالباً، وأدت لاضطرار معظمهم للعمل بهدف إتمام تعليمهم أو انسحابهم من مقاعد الدراسة لظروف مختلفة فرضت الحرب معظمها منذ العام 2011.
قبل مرور أحمد بهذه الظروف، لم يكن قد بقي على تخرجه من كلية الحقوق بجامعة حلب إلا مادتين دراسيتين، حين علم أنه لم يعد بإمكانه الحصول على تأجيل من شعبة التجنيد، وأنه سيعرض نفسه للمخاطر إن حاول المرور بالحواجز الأمنية لبلوغ الجامعة.
ويعمل الشاب حالياً ضمن ورشة في مشروع بناء جديد، في مدينة منبج، ويتذكر بحسرة حلمه في أن يصبح محامياً، والذي انهار قبيل تخرجه.
"بقيت في منزلي لأنني كنت أعلم أن نهايتي ستكون جندياً على إحدى جبهات القتال، الأمر الذي زاد من خوفي وجعلني أصرف تفكيري عن الدراسة".
ولا يسمح القانون السوري بالتأجيل الدراسي فوق سن الـ /26/ بالنسبة لطلاب الجامعات التي تكون مدة الدراسة فيها أربع سنوات، بينما تختلف السن القصوى في الأقسام الأخرى مثل المعاهد والدراسات العليا حسب مدة الدراسة، بحسب مرسوم أصدره الرئيس السوري بشار الأسد في تموز/يوليو الماضي، لتعديل فقرات من قانون التجنيد الإجباري "خدمة العلم".
وكانت مدة الخدمة العسكرية قبل اندلاع الحرب في سوريا محددة بـ/18/ شهراً، إلا أنه ومع احتدام الحرب، أصبحت نهاية الخدمة العسكرية غير معروفة بسبب الاحتفاظ بالمجندين.
وعن إمكانية عودته إلى الجامعة، يقول أحمد السيد، بحسرة، إنه يستبعد العودة إلى مقاعد الدراسة مجدداً بعد تركها لأكثر من عامين.
ويشكل تعاقب سيطرة الأطراف المتصارعة في الساحة السورية، لا سيما "المتشددة" منها، سبباً آخر لحرمان الطلاب من مستقبلهم الأكاديمي، كقصة محمد العزيز، وهو طالب هندسة مدنية في جامعة حمص، وانقطع عن دراسته أثناء سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مدينة منبج، في كانون الثاني/يناير، 2014.
يحاول العزيز أن يعود بذاكرته إلى الوراء ويسرد موقفاً حصل معه في تلك الفترة عندما أوقفه عناصر للتنظيم "المتشدد" وطلبوا أوراقه الثبوتية.
"حينها ولشدة خوفي أعطيتهم بطاقتي الجامعية إضافة لدفتر العسكرية ما أثار غضب المسلح، وتوجه إلي بالكلام: أتريد الذهاب إلى النصيرية والهرب من أرض الإسلام؟".
يقول محمد العزيز إن عناصر "داعش" مزقوا أوراقه وثبوتياته الجامعية، ويتذكر تلك اللحظات بألم.
"شعرت حينها بأنه يمزقني ويمزق مستقبلي بيديه"، خصوصاً أنه لم يستطع بعدها الذهاب إلى الجامعة خشية السوق إلى الخدمة الإلزامية في ظل عدم امتلاكه إثباتاً على أنه طالب.
لكن قصة العزيز تبدو أقل وطأة على الرغم من معاناته مقابل قصص الكثيرين من طلاب الجامعات السورية، والذين قضوا أكثر من ثماني سنوات كمجندين ضمن صفوف قوات الحكومة السورية، بعد أن التحقوا بالخدمة الإلزامية بسبب انتهاء مهلة تأجيلهم.
ولا يختلف حال سعيد الحميد، (28 عاماً)، عن حال أقرانه، فهو أيضاً طالب في كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة حلب، اضطر إلى ترك الدراسة في الجامعة بعد الكثير من مضايقات "رجال الأمن والمخابرات السورية".
وكان رجال الأمن في الحكومة السورية، يقومون بين الفينة والأخرى "بمداهمة السكن الجامعي واقتياد بعض الطلاب بتهمة القيام بأعمال تخريب والحث على القيام بمظاهرات"، بحسب الحميد.
مداهمة السكن الجامعي واعتقال الطلاب، جعل الحميد يصرف تفكيره عن الدراسة والعودة إلى مدينته للعمل مع شقيقه الأكبر في السباكة (حرفة تركيب نظام أنابيب المياه في المباني) دون التفكير بالعودة إلى الدراسة في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد، وعلى الرغم من اختلاف الأسماء والقصص إلا أن معاناة هؤلاء واحدة ليس أقلها معاناة أحمد السيد الذي ينهمك الآن في حرفة البناء ملقياً وراءه أحلاماً اندثرت في لحظة ما.