لا تتوانى مريم (38 عاماً)، والتي تعيش في العاصمة طهران، عن فتح هاتفها المحمول لتتصفح تطبيق “كرشاد”، ومعناه بالعربية “إرشاد”، فالبنت لم تتقيد بأوامر حرّاس الفضيلة، ولم ترتدِ الزي الرسمي الذي يحضُّ عليه الإسلام.
والتطبيق وفق شروحات محرك البحث “غوغل”، هو ” تطبيق جديد صممته مجموعة من الشباب الإيراني غير المعروفة هويته حتى الآن، حيث يقوم أي شخص باكتشاف نقطة تفتيش للباسيج بإرسال موقعها عبر التطبيق.”
وإذا لم تفعل ذلك فالباسيج في طهران لن يتوانى عن تكبيل يدي البنت، أي بنت، بعد أن يفصّل في مقاييس التنورة التي ترتديها، أو أن يدقق في أكمام فستانها، ومن ثم لا بُدَّ وأن يسألها وبغضب الفضيلة (لاحظوا أن الفضيلة غاضبة على الدوام):
– أين يقع الشادور من الجسد؟
لكن ما لا يفجأ، هو أن الشباب الإيراني، يعثرون على طريقهم تحت الأرض، بعد أن بات ما فوقها محكوم بـ”الباسيج وهو “منتج الفضيلة”.
للشباب تحت الأرض عالمٌ آخر، هو بالقطع عالم لا ترفرف عليه الأعلام السوداء، فتحت الأرض، يتعالى ضجيج الموسيقى، وتكشف النساء عن وجوههن الأخرى، لتخلع كلُّ واحدة منهن حجابها والحشمة المفروضة قانوناً عليها، وينطلقن في الرقص على أنغام الموسيقى الصاخبة بالتنورات القصيرة مع أصدقائهن من الرجال.
يحكي تقرير إخباري من طهران، واصفاً المشهد: “ثوان قليلة ويفتح أحدهم حاوية بلاستيكية ضخمة كحاويات زيوت السيارات، مملوءة بالنبيذ ليس إلا، ولا يستغرق الأمر لحظات حتى تُفرغ الحاوية من محتواها، لتدور كؤوس النبيذ والفودكا، وغيرها من خمور يتم تهريبها أو تصنيعها سرّاً داخل البيوت الإيرانية، ثم يبدأ الضوء الخافت المنبعث من لفافات السجائر المشتعلة في مزاحمة أضواء الحفل، والممتلئة عادة بالأفيون القادم من أفغانستان، والمنتشر بين الإيرانيين على نطاق واسع.”
أيُّ حماقةٍ يرتكبها الشباب؟
ثمة الكثير من الدراسات التي يعرفها صنّاع الخمور، بأن أخطاء تصنيع الخمور قاتلة.. نعم هي كذلك فهي قد تتسبب بالعمى، وأحياناً بالموت، ومع ذلك يستمر الشباب بتصنيعها، فالغيبوبة بالنسبة لهم، أهون وطأة من الغياب، وأيُّ غياب؟
غياب أيّ مجتمعٍ آخر، بعد أن قُوِّضت الحياة السياسية لمدة أربعين عاماً، دون إمكان إطلاق حزب سياسي واحد لكامل البلاد.
بعد أن حازت السلطات الإيرانية على المرتبة الأولى في العالم بتطبيق أحكام الإعدام، فبعد انتصار الثورة بين العامَين 1981 و1985، أُعدم حوالي ثمانية آلاف شخص، وقُتلت الأعداد نفسها خلال ما سُمّي بـ”المجزرة الكبرى” التي وقعت في العام الأخير من الحرب الممتدّة بين العامَين 1980 و1988 ضدّ العراق.
بعد أن بات /12/ مليون إيراني دون خط الفقر المطلق، و /25/ إلى /30/ مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر، و /70/ % من من العمّال في خطر التراجع إلى ما دون خط الفقر.
بعد أن أصبح /14/ في المئة من الإيرانيين يقطنون في خيمٍ وثلثُ سكان المدن يعيشون في الأحياء الفقيرة، وظروف المعيشة التي يعيش فيها ما سمّاهم عالم الأنثروبولوجيا، شهرام خسروي، بـ”نصف إيران الآخر” أو فقراء الطبقة العاملة ملفتة للغاية.
وتزايد عدد الإيرانيين المقيمين في الأحياء الفقيرة /17/ ضعفاً، ولا يحظى /50/ في المئة من القوى العاملة إلّا بعمل متقطّع، ويعاني حوالي /10/ إلى /13/ مليون إيراني “إقصاءً كاملاً من برامج التأمين المعنيّة بالصحة أو العمل أو البطالة.”
والحال كذلك، لِمَ لا تكون الغيبوبة والبلاد تقع على خط الأفيون وصولاً إلى أفغانستان؟
ولِمَ لا يمتنع الشباب عن الإنجاب، لا لأنهم لا يحبون الأطفال، بل كيداً بالولي الفقيه، وكان قد أطلق صرخته الشهيرة:
– تكاثروا أتباهى بكم الأمم.
وهم شباب ولدوا ما بعد انتصار الخمينية، وفي مرحلة شهدت ما يسمّونه “طفرة في المواليد” بالتناغم تماماً مع تعاليم الدين الحنيف، وكان القائد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خامنئي، دائماً ما ينتقد معدلات الإنجاب المنخفضة في بلاده، متحدثاً عن /150/ مليون نسمة كرقم يرجى الوصول إليه ليعلن فيما بعد عن زيادة معدلات الإنجاب في البلاد كـ”هدف استراتيجي” قومي.
الهدف الاستراتيجي القومي، لا بُدَّ من أن يتمرّد الشباب عليه، أما التمرّد فأقلّه ناتج البطالة، الفقر، وأكثر من ذلك فالموسيقى محرّمة في بلاد كان أن أنتجت للعالم أجيالاً من الروّاد يوم كانت بلاد الكفر، بدءاً عصر العيملانين وعصر الإخمينيين وصولاً للدولة الساسانية وقد انحرفت إلى الديانة الزردشتية التي تقدّس الموسيقى باعتبارها لغة الله، وباعتبارها قد أنجبت للعالم رامتين وآزاد و باربد بالإضافة للفارابي وابن سينا ملوك العود والناي.
هو الفقر، ناتج الحصار، هذا ما يقوله أئمة الفضيلة، ولكن للأرقام لغة أخرى، فالعالم يتحدث عن /90/ مليار دولار يملكها الولي الفقيه، أما الباسيج فله من المدّخرات ما يغرق أحياء الفقراء، أحياء الزنك، والجدران المثقّبة، وأزقة النوم في العراء.
ولا بُدَّ من الاستقلال.
كان ذلك شعار الولي الفقيه (لا شرقية ولا غربية)، غير أنه انحاز إلى روسيا والصين، واليوم يلعب مع تركيا في أذربيجان، فيما تحت الأرض الإيرانية، فئة شباب من فئة عمرية بين /16/ و /34/ عاماً متعاطفة مع الغرب، الغرب الكافر، وهذه الفئة منحازة بما لا يقبل الشكَّ إلى الغرب ومتعاطفة معه، أما عن الإسلام فوفق إحدى الدراسات الأكاديمية الإيرانية، فقد كان واحد من كل أربعة تقريباً لا يعتقد بأهمية أداء الصلاة، وأعلن /66/ % من الشباب بأنهم لا يعتقدون بفرضية الحجاب.
يا لانتصار الإسلام.
وكي نتعرّف على انتصاراته أكثر، بالوسع تصديق تلك المعلومات التي أوردها العفيف الخضر (اليساري المرتد بحسب تعبير أسعد أبو خليل).
يورد العفيف معلومات:
قبل منع الاختلاط في المدارس والجامعات، كان الشباب المدرسي والجامعي لا يمارس الجنس إلا بعد ثلاثة شهور من التعارف في المتوسط، أما بعد منع الاختلاط فأصبح يمارسه منذ اللقاء الأول.
في عهد الشاه، كان معدل البغاء في إيران أقلَّ بكثير من المعدلات العالمية. أما بعد فرض الحدود الشرعية العتيقة فقد تحوّلت إيران، بشهادة صحافتها، إلى ماخور بلا جدران تُمارس فيه كل ألوان “الرذيلة” تحت سمع وبصر ميلشيات “الفضيلة”!
يرفض سائقو التاكسي التوقف لنقل رجال الدين، ومنذ التسعينيات لم يعد اسما علي والحسين شائعين بين المواليد الجدد. فقد عُوضا باسمين وثنيين: داريوش [اسم لملوك الأسرة الإخمينية] وأراش [البطل الأسطوري الذي رسم حدود إيران بأربع حجرات رماها في الاتجاهات الأربعة].
الشباب يحاربون بـ(الأسماء)، وسائقو التاكسي بالامتناع عن خدمة رجال الدين، وتتحوّل البلاد إلى بلادين:
– بلاد فوق الأرض برسم الملالي والباسيج وحرّاس الفضيلة.
– وبلاد تحت الأرض لشباب ضالّين، يهتفون للموسيقى، وقد يتعاطون الأفيون، والأكثر من ذلك قد:
– ينتحرون.
نعم ينتحرون.. هذا ليس مزاحاً فثمة خبر يقول:
صافح رفاقه وهو يستلم نتائج امتحاناته، ثم ذهب في عزلة قصيرة ليجدونه وقد شنق نفسه.
سأعود إلى العفيف وقد نقل عن صديق له زار طهران.. يحكي له (الصديق) واقعة في طهران.
– في زمن الشاه كنا نشكو الشاه الى الله.. اليوم ونحن محكومون بالآلهة لمن نشكو الله؟
ثم سيكون الختام مع ذلك السؤال:
ألا يحق لرئيس “اتحاد الملحدين بفرنسا” أن يصرخ مبتهجاً: “مرحباً بالثورة الإسلامية حتى في فرنسا” حيث نسبة الملحدين أقلُّ بكثير منها في الجمهورية الإسلامية!
أعظم ما في الإسلاميين أنهم يكفّرونك بالإسلام.
قد يذهبون أبعد ويكفرونك بالله.