روسيا وجورجيا.. أسباب النزاع المفاجئ ومن يقف وراءه

موسكو – فهيم الصوراني ـ NPA
في أكثر مراحل العلاقات هدوءاً بينهما منذ حرب العام 2008، اشتعلت الأزمة بشكل مفاجئ بين روسيا وجورجيا.
وككرة الثلج المتدحرجة، وبوتيرة لفتت أنظار المراقبين، تسارعت الأحداث التي بدأت من تظاهرة قامت بها المعارضة الجورجية احتجاجاً على مشاركة وفد روسي في جلسة للجمعية البرلمانية الدولية للأرثوذكسية، داخل مقر البرلمان الجورجي، أعقبتها محاولة لإقتحام الجلسةـ وإخراج الوفد الروسي بالقوة، لولا تدخل قوات الأمن هناك.
لماذا الآن؟
يرى الخبير في الشؤون الروسية دينيس كوركودينوف، أنه  بعد الحرب الروسية- الجورجية في العام 2008، والتي اضطرت موسكو بعدها للاعتراف باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، اعتبرت السلطات الجورجية أنه تم توجيه إهانة لهاـ تمثلت بانتهاك وحدة أراضيها.
وتابع في حديث لـ"نورث برس" أنه، ورغم أن النخبة السياسية في جورجيا تبدلت منذ ذلك الحين، وتعتبر أغلبيتها لوبي موالي لروسيا، إلا أن المعارضة ممثلة بالرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي وفريقه، لم تتوقف عن الرغبة بالانتقام،
وأن هذه الرغبة التقت مع أخرى لـ"لاعبين دوليين"، تريد بأي ثمن، إضعاف روسيا عسكرياً وسياسياً واقتصاديا.
وتابع أن الهدف من وراء ذلك "إقحام روسيا في حرب جديدة، ومن أجل ذلك تستخدم مختلف وسائل التأثير على موسكو والرأي العام عموماً في روسيا، ووصل الأمر إلى حد توجية صحفي جورجي، ومن على شاشة التلفزيون الرسمي إهانة شديدة القسوة وشتائم غير لائقة بحق الرئيس فلاديمير بوتين ووالديه المتوفيين".
استدراج وفخ
ويفسر كوركودينوف، أن الهدف كان "استفزاز بوتين ودفعه إلى الرد على الإساءة الشخصية بإرسال قوات روسية إلى جورجيا، وهو ما كانت تريد تبليسي استدراج روسيا له، لاتهام موسكو بشن عدوان عسكري".
وأردف أن "قوى دولية كانت تنتظر بفارغ الصبر وقوع روسيا في هذا الفخ، وتحريك قواتها لإجبار ووضع موسكو في موقف حرج، إلا أن بوتين أحبط المخطط، ولم يقدم على اجتياح جورجيا، رغم تعرضه كرئيس لدولة عظمى للإهانة".
ولكنه أشار إلى أن ذلك لن يوقف المعارضة في جورجيا عن حلمها بـ"استدراج" روسيا لاستخدام القوى العسكرية ضدها، ولم يستبعد أن تقوم المعارضة في المدى المنظور بمحاولات أخرى لاستفزاز موسكو".
أبعاد استراتيجية
ويدعو الخبير الروسي إلى ربط الاحتجاجات الجورجية ضد روسيا مع الأوضاع الجيوسياسية الأخرى القائمة في الشرق الأوسط وشمال القوقاز، ويرى أن الأحداث في جورجيا تعتبر الآن جزءاً من هذه السلسلة.
وفي سياق التوضيح يشير إلى أنه قبل أحداث تبليسي بفترة وجيزة، تجددت الاشتباكات على خطوط التماس بين القوات الأذربيجانية والأرمنية في منطقة "ناغورني كاراباخ" المتنازع عليها، مصحوبة بدعوات على شبكة الإنترنت لشن عمليات واسعة النطاق في الإقليم.
ويضيف أنه في حال نشب نزاع مسلح بين أذربيجان وأرمينيا، فمما لا شك فيه أن روسيا ستكون مضطرة للتدخل، وأن تصبح طرفاً في النزاع المسلح.
بين القوقاز وإدلب
ويتابع أن تصاعد الأزمة بين روسيا وجورجيا، وبين أذربيجان وأرمينيا، يأتي في أجواء التوتر غير المعلن بين موسكو وأنقرة، بخصوص مناطق خفض التصعيد في إدلب، حيث وجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اتهماته لموسكو بإيقاف المفاوضات الثنائية بخصوص إدلب، ما يفسر تجدد الاشتباكات في المناطق التي تخضع للمسؤولية الروسية والتركية.
ورأى أن الهدف من وراء التصعيد العسكري في سوريا هو دفع موسكو لإرسال قوات إضافية إلى هناك، بهدف خلق صعوبات أمامها في حال اندلاع نزاع مسلح على حدودها الجنوبية (جورجيا، أذربيجان وأرمينيا)، وتضطر حينها لإعادة إرسال قواتها لحماية حدودها هناك.