عام من الانتهاكات.. كيف حولت تركيا “المنطقة الآمنة” إلى فوضى عارمة؟

حسكة – نورث برس

في مخيم “سري كانيه” للنازحين شرقي مدينة حسكة، شمال شرقي سوريا، يقف عبدالله خلف على بسطة صغيرة، عارضاً بضعة أصناف للمواد الغذائية بعد أن كان يملك محلاً تجارياً قبيل الغزو التركي.

ويقضي “خلف” نهاره متأملاً المارة ممن يتقاسمون المعاناة نفسها بعد أن هجرتهم الحرب، بينما لا تزال “العودة” هاجسهم الأول.

ويغوص المهجر الأربعيني في ذاكرته ليعود إلى اللحظات الأولى لبدء الهجمات على مدينته سري كانيه (رأس العين) أواخر العام الفائت.

قال والغصة تزيد حديثه صعوبة: “الطائرات التركية قصفت كل مكان، المشهد كان وحشياً، كان معظم السكان يفرون من القصف سيراً على الأقدام.”

وأضاف: “الخوف كان بادياً على وجوه الجميع.”

وفي الشارع العام الموازي لخيمة “عبدو”، يلعب بعض الأطفال بكرة القدم، بينما تتحدث نساء تحت ظلال خيامهن عن مثل هذه الأيام قبل عام.

ويشير “عبدو” إلى أن عناصر فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا سرقوا محتويات بيته الذي احتاج بناؤه لتعب وشقاء سنوات من عمره.

 ذلك ما أخبره به أحد معارفه الذي زار المدينة مؤخراً، “حتى أسلاك الكهرباء والأبواب والنوافذ لم تسلم منهم.”

وطيلة عام من سيطرة القوات التركية على سري كانيه وتل أبيض، تتحدث تقارير حقوقية محلية ودولية عن نهب وسرقة الممتلكات العامة وتدمير البنى التحتية.

وقال تقرير لمنظمة العفو الدولية، في الـ /18/ من تشرين الأول/أكتوبر 2019، إن القوات التركية والفصائل المسلحة التابعة لها، “ارتكبت جرائم حرب وانتهاكات جسيمة، وازدراء مشيناً لحياة المدنيين.”

وتتهم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أيضاً، القوات التركية والفصائل المعارضة بارتكاب جرائم حرب وتغيير ديمغرافي ممنهج واتباع سياسة التتريك في المنطقة.

وقال أورهان كمال، وهو ناشط إعلامي يتحدر من مدينة سري كانيه، إن تركيا ارتكبت خلال العام الفائت انتهاكات جسيمة وصلت إلى القتل المتعمد وتدمير المنازل وتغير ديمغرافية المنطقة.

“خلال هذا العام قضى أكثر من /20/ شخصاً تحت التعذيب في سجون الفصائل المسلحة، أعداد المعتقلين تعسفياً يتجاوز المئات، بعضهم أطلق سراحه بدفع فدى مالية والبعض الآخر لا يزال مصيرهم مجهولاً بعد نقلهم إلى الأراضي التركية.”

ويشبّه “كمال” سري كانيه بالنموذج المصغر لسوريا نظراً لتواجد خليط من المكونات فيها من “كرد، وعرب، وأرمن، وشركس، وسريان وآشور.”

“التهم جاهزة”

وأضاف الإعلامي: “القرى الإيزيدية وثلاث قرى مسيحية أفرغت بالكامل من سكانها، ولا يستطيع أحد من هؤلاء العودة بسبب إلصاق الفصائل لتهم جاهزة بهم وهي التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية.”

وبحسب الناشط الذي يعمل لأحد المواقع الإعلامية المحلية، فإن الخدمات في مدينته كما في تل أبيض سيئة للغاية، والفصائل لا تزال مستمرة بسرقة ونهب المحلات التجارية.

“كما أن التغير الديمغرافي يسير على قدم وساق من خلال جلب عائلات لعناصر الفصائل وتوطينهم في المدينة ومنحهم محلات السكان الأصليين.”

وتضع تركيا رموزها وأعلامها في جميع الأماكن وتفرض لغتها في المنهاج المدرسي، وفق “كمال.”

ويتقاطع حديث “كمال” مع ما تروجه المنصات الإعلامية الموالية للمجالس المحلية والفصائل المسلحة في مدينتي سري كانيه وتل أبيض، حيث أدخلت اللغة التركية كمادة رئيسة ضمن المناهج التعليمية.

 ورُفعت الأعلام التركية على جميع المؤسسات المدنية والعسكرية بالإضافة لتعليق صور الرئيس التركي أردوغان في جميع الدوائر والأماكن الرئيسة، وفق صور نُشرت على تلك المنصات.

وكان الرئيس التركي أردوغان، قبل شن قوات بلاده هجمات على شمال شرقي سوريا، قد تحدث مراراً عن إنشاء ما سماها “المنطقة الآمنة” على الشريط الحدودي داخل الأراضي السورية بطول /450/ كم.

وأكدت سارة ليا ويتسون، مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت وقوع انتهاكات، منها إعدامات ومصادرة منازل في المناطق التي سيطرت عليها تركيا.

 وقالت “ويتسون” آنذاك إن “الإعدامات ونهب الممتلكات ومنع عودة النازحين إلى ديارهم أدلة دامغة على أن (المناطق الآمنة) المقترحة من تركيا لن تكون آمنة.”

“فوضى وقلاقل”

وقال الدكتور فريد سعدون، وهو أستاذ جامعي من سكان مدينة قامشلي، إن “الاستراتيجية التركية في سوريا تجاوزت التدخل العسكري الفج، فهي تتدخل حتى في المسائل الدبلوماسية والاقتصادية.”

وأضاف: “اتخذت تركيا عدة ذرائع ليست حقيقية في التدخل بالأراضي السورية واحتلال أجزاء واسعة منها.”

وأشار “سعدون” إلى أن الوقائع أثبتت “أن تركيا ليست عامل استقرار للمنطقة كما كانت تتدعي، لا بل تحولت لعامل فوضى وخلق مشاكل والقلاقل في المنطقة، وأدى ذلك إلى تشريد مئات الآلاف من سكان المنطقة عن أرضهم.”

ودفع الغزو التركي إلى تهجير أكثر من /300/ ألف شخص من منطقتي سري كانيه وتل أبيض، وفق تقارير إعلامية وحقوقية.

وبحسب “سعدون”، “استقدمت الفصائل المعارضة عناصر فصيلي السلطان مراد والحزب التركستاني واللذين ينتمي عناصرهما إلى أصول تركمانية، وجلبهم إلى المناطق الكردية هي خدمة لأجنداتهم المستقبلية بتفريغ المنطقة من سكانها الأصليين.”

إعداد: دلسوز يوسف – تحرير: حكيم أحمد