مضافات السويداء.. إرث مجتمعي عريق تناقلته الأجيال من الأجداد
السويداء- نورث برس
في مضافة تعود لآل “أبو عسلي” بمدينة السويداء، جنوبي سوريا، يجلس ممدوح أبو عسلي (80 عاماً) مع عدد من أقرانه، يتبادل الأحاديث ويتشاور معهم حول الأعمال الزراعية وآلية تصريف إنتاجها.
وتحمل جدران المضافات الموجودة في مدينة السويداء وريفها أسلحة قديمة وصوراً للوجهاء، مع وجود دلال القهوة، حيث كانت ولا تزال مقصداً للضيوف وبيئة حاضنة للصلح والنقاش، على الرغم من تراجع عدد زوارها.
وقال “أبو عسلي” إن المضافات كانت، سابقاً، قبلة لكل سكان الحي والقرية والمدينة يعتكفون إليها في أفراحهم وأتراحهم، “لكن حالياً قل عدد زوارها.”
وأضاف: “أصبحت الحياة في هذا الزمن معقدة، لكل أعماله ومشاغله.”
ويعود سبب تراجع عقد الاجتماعات الطارئة والاعتيادية في المضافات إلى هجرة الشباب إلى الخارج ووفاة عدد من كبار السن في المدينة.
وتضم منطقة السويداء العديد من المضافات الشهيرة، من بينها مضافة آل “أبو الفضل” ومضافة “آل الأطرش”، حيث يعود تاريخ بناء كثير منها إلى عشرينيات القرن الماضي.
كما أن أرياف السويداء تضم مضافات يعود تاريخ بنائها إلى نهايات القرن التاسع عشر، ومنها مضافة “آل عز الدين” في قرية الثعلة بالريف الغربي للسويداء.
وقال “أبو عسلي”: “الآن نذهب إلى المضافة للتحدث عن همومنا وما يجمعنا في الزراعة وكيفية تصريف منتجاتنا من التفاح والحبوب، ولنقدم النصح لبعضنا.”
من جهته، قال وسيم عز الدين (50عاماً)، وهو حفيد مؤسس مضافة آل عز الدين، إن المضافة كانت مفتوحة الأبواب لكل ضيف مهما كانت أصوله، “فكانت مركزاً للإيواء والاستراحة من تعب السفر والتنقل.”
وكان للمضافات شأن، “كونها كانت إحدى أهم الأماكن التي جمعت شخصيات وقيادات اجتماعية بارزة في السويداء.”
واتُّخذت فيها أهم قرارات الحرب والسلم،”إبان الاحتلال الفرنسي وما بعد زمن الاستقلال في سوريا وأثناء الانقلابات التي مرت بها البلاد.”، حسب ما ذكر حفيد مؤسس مضافة “آل عز الدين.”
ولفت نجيب مراد(73عاماً)، وهو مدون للتراث والإرث الاجتماعي في السويداء، إلى دور المضافات في إغاثة الملهوف، حيث ذكر لجوء إبراهيم هنانو إلى السويداء بعد صدور حكم الإعدام بحقه من السلطات الفرنسية.
وحط “هنانو” آنذاك الرحال في قرية الثعلة بمضافة “آل عز الدين” وأقام فيها أكثر من نصف شهر، بحسب “مراد.”
وحين علم الفرنسيون بوجوده داخل المضافة، جهزوا حملة للقبض عليه، “إلا أن أهل القرية هبوا لحماية الضيف والذود عنه حول المضافة ومنعوا الحملة من تحقيق غايتها.”
وأضاف “مراد” أن إبراهيم هنانو ألقى التحية حينها على الأهالي والمتجمهرين أمام المضافة، وقال: لوكنتم معي في الشمال لبقيت أحارب فرنساً طويلاً.”