سليقة القمح لتحضير البرغل.. عادة خريفية لا تزال قائمة في ريف قامشلي
جل آغا – نورث برس
بلهجتها المحلية ، تنادي منفية الحسن (60 عاماً)، وهي ربّة منزل من سكان بلدة جل آغا (الجوادية) في شمال وشرقي سوريا جارتها، لتطمئنها بأنّها استطاعت تأمين حلّة (وعاء) لسلق الحنطة.
وتجتمع النسوة كلَّ خريف لمساعدة بعضهن البعض لسلق الحنطة وتحضيرها لتخزين مؤونة عائلاتهن من البرغل.
وحجزت “الحسن” لها دوراً على القدر الكبير الذي يُسلق فيه القمح، وتقول لنورث برس إن تسميتها “الحلّة” تعود لمدينة الحلّة العراقية التي اشتهرت بصناعة الأواني الكبيرة لتحضير السليقة والمربيات والولائم.
وتتناوب العائلات على استعارة الحلّة من صاحبها ودياً كما كانت العادة قديماً في الأرياف أو بدفع الأجرة لصاحبها كما هو الحال الآن.
وتقول ربات بيوت في جل آغا إن الخريف يعطي البرغل لونه الطبيعي الذي سيفقد رونقه إن تأخرت عملية السلق.
وتنشغل “الحسن”، هذه الأيام، بإعداد السليقة لها ولجيرانها؛ لتستكمل مؤونتها الشتوية التي لا تُعدها كاملةً إلاّ بعد جرش القمح المسلوق وتحضير البرغل.
“يختلف نوع القمح المستخدم للبرغل والطحين؛ فلكلٍّ منهما نوع خاص يميزه عن الأخر.”
فالقمح “القاسي” الذي يتميّز بحبته الكبيرة ولونه الذهبي يستخدم للبرغل، بينما يحتاج الطحين لنوع القمح الطري “المكسيكي” والذي يتميّز بحبته الصغيرة الناعمة، حسب ما أوضحته “الحسن.”
وتقول ربّة المنزل: “تقوم راعية البيت بتنظيف قمحها بالماء قبل وضعه في الحلّة لسلقه حتى ينضج.”
وما إن تتصاعد النار ويتعالى الدخان حتّى يغلي الماء وتبدأ الحنطة بالنضوج على نارٍ هادئة بينما تقوم القائمات على سلقها بتقليبها داخل الحلّة.
ويجتمع الأطفال مع صحونهم الفارغة لينالوا حصتهم من السليقة التي يتناولونها مع الملح أو السمن البلدي، “وحتى الدجاجات قد تحصل على ما تبقى في الصحون”، بحسب “الحسن”.
“ويجتمع شباب البلدة الذين لا يتوانون عن مساعدة الفتيات في رفع القمح ونشله من الحلّة إلى سطوح المنازل أو نشره في فسحات البيوت.”
بهذا الطقس الريفي يتم نشر القمح؛ ليبدأ دور صاحبة البيت من جديد في فرشه لطبقاتٍ رقيقة وتقليبه حتى يجف.
وترى ربّة المنزل الستينية أن ” تدهور الظروف المعيشية دفع الناس للعودة إلى الاعتماد على مواسمهم لتأمين بعض احتياجاتهم في ظل غلاء الأسعار.”
بينما رأت خلفة الموسى (74 عاماً)، وهي ربة بيت من ريف جل آغا، أن هذه العادة تراجعت، “لكنّها لم تختفِ.”
وأضافت أن “إنتاج المنزل مكفول وهو أفضل من البرغل المتواجد في الأسواق هذه الأيام.”