اجتياح سري كانيه.. حين قوضت أنقرة السلام وأدارت واشنطن ظهرها لـ “روجآفا” (2)

قامشلي – نورث برس

كان ذلك قبل بدء الحرب بيومين، حين أعلنت واشنطن عدم معارضتها لعملية “نبع السلام” التركية في شمال شرقي سوريا، وقالت: “لن تتمركز قواتنا بعد اليوم في المنطقة مباشرةً.”

وقالت أيضاً في بيان صدر عن البيت الأبيض إن قواتها المسلّحة لن تدعم العملية ولن تنخرط فيها.

ومع هذا الإعلان، بدت واشنطن متخلّية عن حليفتها قوات سوريا الديمقراطية، والتي دعمتها لسنوات في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

في هذه الأثناء، وبعد أن تركتها واشنطن بمفردها في مواجهة آلة الحرب التركية، حاولت قسد “حشد الرأي العام العالمي” وحذّرت بعد ساعات من إعلان “التخلّي” من أن الهجوم الوشيك الذي تهدد تركيا بشنّه سيقوّض الجهود التي بذلتها للقضاء على تنظيم “داعش”.

وعلى الصعيد الداخلي، دعت قوات سوريا الديمقراطية “العرب، والكرد، والسريان، والآشوريين إلى الانضمام إلى صفوفها والوقوف مع قواتنا الشرعية، للدفاع عن أمتنا من العدوان التركي.”

واتهمت القوات الأميركية بأنها “لم تفِ بالتزاماتها”.

وقف إطلاق النار

في الـ/17/ من تشرين الأول/أكتوبر، كشفَ كلٌّ من نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، ووزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن أن واشنطن وأنقرة توصلّتا لاتفاق وقف لإطلاق النار.

لكن بشرط السماح بانسحاب قوات سوريا الديمقراطية.

وقال “بنس” من أنقرة، إن واشنطن تلقّت ضمانات من قسد بانسحابٍ منظّم.

ونص الاتفاق على أن يوقف الأتراك العملية لمدة خمسة أيام لتنسحب قوات سوريا الديمقراطية من سري كاينه (رأس العين).

وفي أول تعليقٍ له على الاتفاق، أشاد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واعتبر أن الاتفاق ينقذ حياة ملايين الأرواح، وأن بلاده لم تتخلَ عن حلفائها الكرد.

في غضون ذلك، كانت موسكو تسعى لفتح الخطوط الساخنة مع قوات سوريا الديمقراطية لملئ الفراغ بعد انسحاب القوات الأميركية.

دورية روسية في ريف كوباني الغربي – 18-6-2020

ومع بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر، كانت القوات الروسية قد بدأت بالسيطرة على نقاط وقواعد تركها الأميركان.

وفي الـ/15/ من الشهر نفسه، سيطرت الشرطة العسكرية الروسية على قاعدة صرّين التي تبعد /30/ كيلومتراً عن كوباني.

كما سيطرت القوات الروسية على قاعدتين انسحبت منهما القوات الأميركية في منبج والطبقة.

استحضار نموذج منبج

في الفترة التي سبقت عملية “نبع السلام” التركية، ونتيجة لعدم توقف التهديدات التركية لمناطق شمال شرقي سوريا، وجدت قوات سوريا الديمقراطية نفسها أمام “الحاجة لفتح بابٍ للحوار.”

وكان المسؤولون في مجلس سوريا الديمقراطية، الجناح السياسي لقوات قسد، يجدون أيضاً في إنشاء منطقة أمنية، “بدايةً لتهيئة الأجواء لإجراء حوار مع تركيا” بحسب مسؤولين بارزين.

في حين كانت قوات سوريا الديمقراطية تريد أن “تطمئن أصدقاءها من التحالف الدولي، أن لا نيّة لخوض حرب مع تركيا، وأنها مهتمة بأخذ المخاوف التركية بعين الاعتبار بهدف حماية المنطقة من حرب محتملة، والقبول بالانسحاب من المناطق الحدودية كان لهذا السبب.”

وكان هدف قوات سوريا الديمقراطية من المضي في مشروع المنطقة الآمنة الوصول إلى سيناريو شبيه بسيناريو منبج وفق معلومات حصلت عليها نورث برس من مصادر مسؤولة.

ففي بداية الحملة على منبج، حدث الاتفاق في تركيا وبعدها سيّرت تركيا والولايات المتحدة دورياتهما على تخوم المدينة.

ولكن تركيا في مباحثاتها حول المنطقة الآمنة مع المسؤولين الأميركيين طالبت بأن تسيّر دورياتها داخل المدن، وهو “ما لم تقبل به قسد.”

كما طالب الأتراك بتحليق طائراتهم الحربية على المنطقة وتسيير دورياتهم حتى طريق “M4” وشنِّ غارات على مواقع تعتبرها تركيا خطِرة بحسب مفهومها.

لكن قوات سوريا الديمقراطية رأت أن هذه المطالب “تعجيزية” ولا يمكن لها القبول بها.

وكشفَ مسؤول كبير في قوات سوريا الديمقراطية أنهم كانوا على عِلمٍ بأن روسيا “حرضت تركيا لمواجهة الولايات المتحدة في المنطقة.”

لكن الولايات المتحدة “لم ترغب بالانجرار لهذه السياسة فانسحبت وسلّمت المنطقة لتركيا وروسيا وليدخل هما في المواجهة”، بحسب المسؤول.

لا تحالف استراتيجي

وقال مسؤول آخر في قوات سوريا الديمقراطية إنه ليس بينهم وبين الولايات المتحدة “تحالف استراتيجي”، لأن الظروف هي التي خلقت هذا التحالف، فظهور “داعش” أدى لبناء تحالف معهم.

وحيال العملية التركية في سري كانيه، قال المسؤول إن الولايات المتحدة لا ترغب في مواجهة تركيا، وفي الوقت نفسه لا ترغب بالتفريط بتحالفها مع قسد في سبيل محاربة “داعش”.

وقالت إلهام أحمد، رئيس المجلس التنفيذي لـ مجلس سوريا الديمقراطية، إنهم كانوا يعلمون أن الاتفاق لن يستمر، فقد “تلمّسنا نيّة تركيا في إفشال الاتفاق، لأنها كانت ترغب بالحرب لا الحوار.”

وقالت أيضاً في مقابلة حصرية لنورث برس: “لا أعتقد أن الولايات المتحدة كانت ترغب بإفراغ المنطقة من البداية لآلة الحرب التركية كما يعتقد البعض.”

وتعتقد أحمد أن الولايات المتحدة “أرادت بالفعل” تهيئة الأرضية لاتفاق قسد مع تركيا ولكن الأخيرة لم ترغب بذلك.

“نريد الحوار مع تركيا”

يقول المسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية إن اتفاق المنطقة الأمنية كان تكتيكياً وشفوياً، ولم يكن هناك أي وثيقة موقّعة بين الأطراف.

ويقولون أيضاً إنه لم تكن هناك ضمانات لتوقف تركيا عن نواياها في المنطقة، حتى وإن وافقت قسد على كلِّ مطالب تركيا، فإنه لم يكن هناك ضمان، “ربما لو وافقت قسد لكان الوضع أسوء مما هو عليه الآن.”

وقالت القيادية في مسد، إلهام أحمد، إن المبعوث الأميركي، جميس جيفري، أراد حينها أن يطبّق اتفاق المنطقة الأمنية، لكنه لم يتمكّن من ذلك.

وأثناء اجتماعاته مع القادة الكرد في سوريا، كان جيفري يقول إنه يفهم تركيا جيداً وإنه يستطيع إنجاح مشروع المنطقة الآمنة، “لكنه هو أيضاً صُدِم بتركيا” بحسب إلهام أحمد.

ويرى المسؤولون الكرد أن الولايات المتحدة لا ترغب بذهاب تركيا باتجاه روسيا، وأن جيفري ينفِّذُ رغبة إدارته.

وحين يتعلّق الأمر بالاختيار بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا، تختار الولايات المتحدة تركيا. “تركيا وضعت أميركا أمام هذا الخيار. لم نفعل ذلك”، بحسب “أحمد”.

وفي تصريحٍ غير مسبوق، قالت إلهام أحمد: “نحن مستعدون للجلوس مع تركيا للحوار والتفاهم.”

وقالت: “لا نستطيع أن نتهم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بالخيانة، لأن الولايات المتحدة تتحرك وفق مصالحها. حين أرادت تطبيق المنطقة الآمنة كان ذلك وفق مصالحها، وحين فتحت الطريق للهجوم التركي كانت مضطرة لحماية مصالحها مع تركيا.”

وأضافت إلهام أحمد: “نؤكد على عودة أهالي سري كانيه وتل أبيض لمنازلهم، سواءً أكان بالحرب أم الحوار، لكننا نفضّل الحوار على الحرب. هذا ما نسعى إليه.”

إعداد: شيروان يوسف – تحرير: حمزة همكي