من جرائم داعش إلى غزو تركيا.. مهجرة ثلاثينية تسرد قصص الهروب من الموت
حسكة – نورث برس
بحسرة كبيرة وعيون دامعة، تتمنى المرأة الثلاثينية التي تقطن مخيم سري كانيه شرقي مدينة حسكة شمال شرقي سوريا، العودة مجدداً إلى منزلها في منطقة سري كانيه (رأس العين).
أماني أحمد كانت عروساً عاشت شهر خوف بدلاً من شهر العسل أثناء توغل الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلّحة التابعة لها في المنطقة.
وكان الغزو التركي لمناطق شمال وشرق سوريا في العام الماضي 2019 قد أدى لتهجير أكثر من /300/ ألف شخص من منطقتي سري كانيه وتل أبيض.
عائلة مفجوعة
تعود “أحمد” بذاكرتها إلى فترة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على منطقتها في بلدة الصور بريف مدينة دير الزور، وكيف أقدم على قتل خمسة أفراد من أسرتها بين عامي 2015 و2016.
“داعش قتلت أخي ذا الـ/20/ عاماً دون ذكر سبب، فكان ذلك ندبة أليمة في حياتنا، لم يرتكب أخي أي ذنب.”
بعدها بفترة قصيرة، اعتقل عناصر التنظيم شقيقها الأصغر ذا الـ/17/ عاماً، بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية.
تضيف لنورث برس: “عذبوه كثيراً، ترجتهم أمي لإطلاق سراحه، ومع إلحاحها واستفزازها لهم أقدم أحد أمراء داعش على قتل والدتي بطلقة في الرأس ليقتلوا أخي أيضاً بعدها.”
تصمت المُهَجَّرة المفجوعة لثوانٍ، لتبدو الأحداث التي سردتها حتى الآن قد وصلت لأقصى ما يمكن للمرء احتمال فاجعتها.
إلا أنها تكمل: “لم تكد تمرّ فترة حتى قتلوا زوجي وزوج شقيقتي.”
وتقول إنها كانت حينها أمّاً لثلاثة أطفال صغار، وتحمل هاتفها المحمول لتتأمل صور شقيقيها ووالدتها وزوجها، “داعش حوّلت حياتنا إلى جحيم.”
أمل جديد
بعد ثلاثة أعوام على مقتل زوج أماني، تزوّجت من شاب في قرية العامرية بريف مدينة سري كانيه الجنوبي.
كانت أماني تطمح يوم زواجها في الـ/13/ من شهر أيلول 2019 لفتح صفحة جديدة، لكن هجوم الجيش التركي على المنطقة جاء بعد /26/ يوماً ليبدأ فصل معاناة جديد في حياتها.
وكان زوج أماني يعمل ضمن قوى الأمن الداخلي (الآسايش)، ومع بدء الهجمات كان يقود مجموعة عناصر في حاجز الصناعة داخل مدينة سري كانيه.
“اتصلت به مراراً، كان يطمئنني بأن الأمور بخير ،لكنني كنت أسمع عبر الهاتف أصوات إطلاق نار وقذائف، انتابني شعور بأن تجربة داعش التي حرمتني من أهلي وزوجي ستتكرر مرةً أخرى.”
ولفتت أماني إلى أنها أخبرت زوجها مراراً أنها لا تريد شيئاً سوى عودته، وأنها طلبت منه صراحةً أن يعود إليها، إلا أنه رفض لأنه مع رفاقه في الخندق نفسه، على حدِّ قولها.
“أرسل لي مقاطع فيديو وصور من داخل مدينة سري كانيه، قلت لنفسي إن زوجي لن يعود.”
وبقيت المرأة تتابع الأخبار من التلفاز، وتتصل مع زوجها عند سماعها ما يرعبها، إلى أن غدا هاتفه مقفلاً مع احتدام المعارك في اليوم الثالث.
تواصلت أماني مع رفاق زوجها، إلا أنها لم تستطع الاطمئنان عليه بشكل تام.
ومع احتدام المعارك واقترابها من قريتهم، اتجهت مع عائلة زوجها سيراً على الأقدام إلى قرية البدران في منطقة جبل عبدالعزيز شمال مدينة حسكة.
تقول إن هاجس مقتل زوجها لم يفارقها طوال أربعة أيام، “لم أتناول الطعام سوى القهوة والتدخين إلى حين وصول رسالة قال فيها إنه في تل تمر وسيأتي عندما تتاح له الفرصة.”
مشاهد مكررة
بعد المكوث عدة أيام لدى أقاربهم، انتقلت أماني رفقة عائلة زوجها إلى أحد مراكز الإيواء التي خصصتها الإدارة الذاتية ضمن المدارس في مدينة حسكة.
وتصف العيش ضمن المدارس بـ”التعيس” بسبب مشاركة عدة عائلات السكن في غرفة واحدة بعد اكتظاظ المدينة بالمُهَجَّرين.
تقول “أحمد” في حديثها إنها قضت حياتها بين النزوح بسبب داعش والتهجير من قبل تركيا، وترى في الحالتين “مؤامرة تركية.”
“الحياة صارت بلا معنى، حتى الجيل الجديد فتح عينه على الحرب، فمثلاً إذا أردت شراء لعبة لطفل يقول أشتري لي مسدساً رافضاً أي لعبة أخرى أو قضاء وقته في مشاهدة أفلام الكرتون.”
يعود زوج أماني الذي يعمل الآن كحارسٍ على باب مخيم سري كانيه إلى خيمته لتناول الغداء ويسمع حديثها لنا، فيقول مبتسماً: “ها أنا أمامك وعدت بطلاً.”
لكن أماني تقول إنها لن تنسى أن “تركيا كانت تقصف في كلِّ مكان، الدخان الأسود كان يغطي سماء المنطقة.”
وتضيف: “ذات مرة قصفت الطائرة قرية ليلان، كنت عائدة من هناك، رأيت شخصين قتلا داخل سيارة.”
كان مشهد بكاء النساء ورحيل العائلات يذكّرها بما لاقته عائلتها من فظائع في دير الزور، “لقد ذقنا القهر، كل سيارة تحمل جنازة كانت تذكرني كيف قُتِل أخوتي وزوجي السابق وأمي.”
تكرر المُهَجَّرة ربطها بين جرائم داعش في دير الزور والهجوم التركي على سري كانيه، وترى أن الرابط هو “الرئيس التركي الذي يحمل القرآن ويدعي الإنسانية.”
“جاءنا داعش والجيش الحر بسبب تركيا، أردوغان يدعي بأن مشاكله مع الكرد، لكن غالبيىة قاطني هذا المخيم من العرب.”
ورغم كل ما عانته أماني، لا تزال تأمل وتدعو: “أملنا بالله كبير وإن شاء الله سنرجع إلى منزلنا، فلا بد للأرض أن تعود لأصحابها يوماً.”