التحكيم العشائري في الجزيرة السورية.. أعراف لفض النزاعات ومحاسبة الجناة

يتذكر سليمان السراي (٥٧ عاماً)، وهو من سكان قرية أم كهيف بريف تل كوجر (اليعربية)، شمال شرقي سوريا، كيف نال قاتلو شقيقه في العام 2012 جزاءهم وفق الأعراف القبلية.

 يقول إنه لجأ إلى القضاء العشائري، بعد قيام مجموعة من “اللصوص” بإيهام أخيه السائق أنهم مسافرون يطلبون إيصالهم من بلدة كركي لكي إلى مدينة الرقة.

لكنهم قاموا بقتله ورميه في منطقة خالية ليقوموا بعدها بسرقة سيارته.

وتعتمد قبيلة “شمر” التي ينتمي إليها “السراي”، وعشائر أخرى في مناطق شمال وشرقي سوريا على القضاء العشائري لفض نزاعات عائلية ومحاسبة مرتكبي جرائم.

يقول إن كشف الجناة بدأ بعد التعرف على سيارة أخيه التي بيعت في مدينة الشدادي لشخص قال إنه اشتراها من أشخاص يستطيع التعرف عليهم.

وبعد إنكار الجناة، تم استدعاؤهم وفق الأعراف القبلية للقضاء العشائري، واستطاع القاضي انتزاع الاعتراف منهم بعد مواجهتهم بالأدلة.

 وقضى العارفة، الذي ينتمي إلى عائلة “ابن السعدي”، على المجرمين بالدية المربعة (دية أربع رجال) بسبب غدرهم، بالإضافة إلى دفع ثمن السيارة.

والدية هي مبلغ من المال (متعارف على مقداره) يدفع لذوي القتيل لإنهاء المشكلة ومنع حدوث الثأر الذي قد يودي بحياة كثيرين إذا ما لجأ إليه طرفا الخلاف.

وكانت أحداث الحرب في سوريا قد أفرزت مشاكل ونزاعات كبيرة بسبب غياب الأمن في عدة مناطق، ناهيك عن عجز المحاكم المدنية وسلطتها التنفيذية بتتبع الجناة في مناطق النفوذ المختلفة.

ويرى وجهاء عشائر وقضاة عشائر في الجزيرة السورية أن محاكم الدولة وقوانينها لم تحد من إقبال الناس على على القضاء العشائري، الأمر الذي يعيده “ابن السعدي” إلى خضوع المجتمع العشائري للعيب الاجتماعي أكثر من أي اعتبار آخر.

بينما تعتمد محاكم الإدارة الذاتية غالباً على إجراء صلح بين طرفي القضية دون اللجوء لعقوبات قاسية وطويلة الأمد.

ويرى حاجم الركاد (٦٦ عاماً)، وهو من سكان قرية طويرش بريف تل كوجر، أن “القبيلة كالدولة تمتلك سلطة تنفيذية تتمثل بشيخ القبيلة وسلطة قضائية تتمثل ببيوت العرف المشهورة.”

ويُعتبر التحكيم العشائري سلطة متوارثة ضمن العائلة، ولا يحق لأحد انتزاعها ولا نقض الحكم، “ولا تصير القضية من قاض إلى آخر إلا بطلب القاضي نفسه أو عجزه عن حلها”، وفق ما يشرح “الركاد”.

وبالإضافة للتحكيم العشائري، تساهم عادات وأعراف أخرى متوارثة في حقن الدماء ومنع تكرر القتل خاصة.

فهناك “الدخل” وهو احتماء القاتل برجل ذي نفوذ حتى يغادر مناطق نفوذ القبيلة، و”الجلوة” وهي ترك أهل القاتل لمنازلهم ومنطقتهم إلى قبيلة أخرى ريثما يتم الصلح أو دفع الدية.

من جانبه، قال خليل سند بن سعدي (٧١ عاما)، وهو عارفة/قاضي من قبيلة شمر، إن الأحكام القضائية في البادية كانت ولا تزال الفيصل في حل الخلافات الفردية والعشائرية منذ قرون.

ووصف القضاء بين العشائر بأنها “سلطة كالسيف، تستمد قوتها من عادات متوارثة عابرة للحدود تتناقلها الصدور ولا تقيدها السطور، ولا تسقط فيها الحقوق بالتقادم ولا تبنى على الظنون.”

وأضاف “ابن سعدي” أن قانون البادية قانون قديم منذ مئات السنين عدل عدة مرات، ويخضع لاجتهادات العارفة ويستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية والعادات والقياس.”

وكان شيخ قبيلة شمر الحميدي الأمسح الجربا هو من حصر عوارف قبيلة شمر في القرن الـ/18/ الميلادي في ثلاث عائلات هي ابن سعدي وابن عامود وابن عجيل (موجودون في العراق)، بحسب “ابن سعدي”.

وذكر العارفة أن كل شخص من هذه العائلات يمتلك الخبرة والذكاء يحق له أن يحظى بثقة الناس ويتولى مسؤولية القضاء.

 وتضم عائلات العوارف أحياناً أكثر من عارفة، ولا توجد آلية ثابتة لاختيار العارفة إلا أن امتلاك الأكبر سناً المعرفة المطلوبة يجعل اختياره محل إجماع في العائلة.

وقال “ابن سعدي” أيضاً إن عوارف شمر لا يختصون بحل قضايا أبناء القبيلة وحدهم، بل يحظون بثقة جميع القبائل العربية الذين يخضعون لقوانين القضاء العشائري.

 ولفت إلى أن “معظم القضايا التي تفد من دير الزور والرقة والشدادي ليسوا من أبناء قبيلة شمر، بل ينتمون إلى قبائل أخرى كالعقيدات والبقارة والجبور والعفادلة وغيرهم.”

وتشيع ثقافة التقاضي العشائري بين سكان الريف والمدن من العائلات العربية، بينما يقل لجوء عائلات كردية أو مسيحية لهذا النوع من القضاء، باستثناء أن يكون الطرف الآخر في القضية من أبناء العائلات التي تعتمد على التحكيم العشائري.

وقد تكتسب الصفة القطعية للتحكيم من جلسة واحدة إذا توافرت الأدلة والشهود، لكن بعض القضايا المعقدة قد تمتد لأكثر من جلسة وقد تمتد الجلسة منها لعدة ساعات.

ويشدد “ابن السعدي” على أن القاضي/ العارفة لا يملك سلطة لتنفيذ الأحكام، “لكن قوة الحق تفرض نفسها، وخصوصاً في قضايا جرائم القتل وما يتعلق بها من إجراءات كالدية.”

إعداد: طريف الهلوش – تحرير: حكيم أحمد