في أربعينية رحيل عزيز كورية… شخصيات ووجهاء يستذكرون “رجل الصلح والحكمة” بمنطقة الجزيرة
قامشلي – نورث برس
للوهلة الأولى كان يبدو لناظره كشيخ عربي جليل، وما أن يتحدث الكردية حتى يظنه السامعون وجيهاً كردياً.
لكن معظم من عرفوه وعاشروه من قامشلي وعموم منطقة الجزيرة يتفقون على أن الراحل عزيز كورية السرياني كان “رجل الصلح والحكمة” على مدى أربعة عقود في منطقة تتنوّع فيها الأديان وتتعدد القوميات.
هكذا ترك رحيله في الخامس والعشرين من آب/ أغسطس الفائت، عن عمرٍ ناهز /81/ عاماً، أثراً كبيراً في أوساط معارفه ومحبيه من مختلف مكوّنات منطقة الجزيرة.
“أبو عامو”
وإذ تحيي عائلته هذا الأسبوع أربعينية رحيله، يتذكر وجهاء وشخصيات من أبناء منطقته كيف منح “أبو عامو” جلَّ وقته لحل خلافات الناس دون تمييز أو محاباة أيّاً كان المتخاصمون لديه.
فـ”كورية شكل مع السرياني الآخر، فرج نعوم، والكردي، محمد حسكي، أعمدة لجنة صلح شعبية بقامشلي لأربعة عقود”، وفق حسين شحادة، أحد أبرز الوجوه الاجتماعية بمدينة عامودا.
ويضيف “شحادة” لنورث برس، بنبرة لا تخلو من التأثر، أن معرفته بـ”أبو عامو” تعود إلى مطلع ثمانينات القرن الماضي حيث كان يقوم على فضّ النزاعات الاجتماعية خارج نطاق الدوائر الرسمية.
ويشير “شحادة” إلى أن “كورية تحوّل إلى مرجع لحل النزاعات، لما امتلكه من علاقات ومعرفة بالبنية المجتمعية في منطقته.”
ويقول إن “أبو عامو” السرياني الأرثوزوكسي، كان يخدم الناس دون أي تمييز، وكان يتكلم مع من حوله بلغتهم ذلك أنه كان يتقن إلى جانب لغته الأم، العربية والكردية.
ويتذكر “شحادة” أن “كورية” بذل جهداً في سبيل الحفاظ على السلمي الأهلي أثناء انتفاضة الكرد في قامشلي عام 2004، حينما ظهرت محاولات لقلبها إلى فتنة كردية-عربية.
“خبرة وإرث”
ويؤكد “شحادة” الذي ينشط أيضاً كوجيه في حل الخلافات على مستوى المنطقة، أنه استفاد من خبرة الراحل عزيز كورية بعد مشاركته في حلّ عدد من القضايا والنزاعات الاجتماعية.
“فأبو عامو كان يوثّق مداولات قضية النزاع ويحصل على تعهد لقبول حكم لجنة الصلح بالإضافة إلى ما تتوصل إليه الأطراف المتنازعة من اتفاق بالتراضي”، وفق شحادة.
“وما كان للمتنازعين العدول عن الحكم الذي تخرج به اللجنة باعتباره حكماً مبرماً، طالما كان كورية طرفاً فيها.”
ولا يتذكر “شحادة” عن الراحل “إلا ما عرفه الناس من صدقه وقربه منهم، وهو ما جعله موضع ثقة، سخرها في خدمتهم لحل النزاعات في المنطقة.”
جذوره
وينحدر عزيز بن كورية لحدو من مواليد 1939 قرية شلهومية بريف مدينة تِربَسبي (القحطانية). كبر وتزوج بقرية تل علو قبل أن تنتقل عائلته بعدها إلى قامشلي.

للراحل ثمانية أولاد، أربعة ذكور وأربع إناث، زوَّج منهم ستة، وما يزال جميعهم مقيمين بمدينة قامشلي.
ويقول إياد عزيز كورية، إن والده كسِبَ بدايةً احترام فلاحي ومزارعي المنطقة ما أن قصدوه لحلّ نزاعاتهم، لكن ذلك أهلّه لاحقاً لاعتماده في مجلس للتحكيم من قبل الجهات القضائية الرسمية بقامشلي.
ويضيف الابن أن والده ورث ارتداء الثياب العربية التقليدية منذ نشأته، كما أنه بقي محافظاً على ارتدائها مع بقائه ملازماً للمزارعين من أبناء المنطقة.
من جهته، يقول عامر الشيخ هلوش، وهو ناشط سياسي، إن “كورية كان رجلاً وطنياً ترك بالغ الأثر لدى مختلف سكان قامشلي المكوّنة من قوميات وأديان ومذاهب متنوعة.”
ويضيف “الهلوش”: “كان مسيحي مع المسيحي و كردي مع الكردي وعربي مع العربي في طريق الحق.. كما أن جذوره الريفية تدفعه للوقوف مع البسطاء والمزارعين.”
وبحسب “الهلوش”، فإن الراحل ورغم مرضه في السنوات الأخيرة، كان يوجّه لجان الصلح “بالرأي السديد ولم يكن أنانياً في مدّها بخبرته ومعرفته.”
“تركة ثقيلة”
أما جاره حمود المحمد (55 عاماً)، فيتذكر كيف كان باب دار “كورية” مُشرَعاً بمختلف الأوقات وحتى خلال فترة استراحته بعد العودة من عمله كبائع لقطع التبديل بحي الصناعة بقامشلي.
ويضيف الجار أن “محل أبو عامو في الصناعة أيضاً كان مقصداً آخر للمتنازعين لحل قضاياهم على يد المرحوم.”
ويقول “المحمد” إن “أبو عامو” أبكى كل الجيران ومن عرفه يوم وفاته لما تركه من أثر طيب في نفوسهم، “ترك فراغاً اجتماعياً كبيراً بعد رحيله.”
لكن عامو، أكبر أبناء “كورية”، يقول لنورث برس إن ألمهم تضاعف بوفاة والدته بعد أسبوع من رحيل والده عزيز.
“هكذا ترك إرثاً ثقيلاً من السمعة الطيبة لقاء مساعدة الناس دون مقابل] …[ علّنا نستطيع أنا وأخوتي حمل التَرِكة والحفاظ عليها من بعده.”