نجاح سليمان.. ذكريات أول معلمة كردية افتتحت صفوفاً دراسية في عفرين
حلب – نورث برس
تتذكر نجاح سليمان (85 عاماً)، وهي أول معلمة كردية في مدينة عفرين، مراحل حياتها بسعادة، رغم العقبات التي واجهتها خلال تدريسها في مدارس الجزيرة وريف حلب وعفرين.
وتقيم “سليمان” الآن في حي الأشرفية بمدينة حلب، بعد أن قضت /32/ عاماً من حياتها في العمل من أجل إنشاء جيل متعلم في مناطق كانت ترفض العادات الاجتماعية فيها تعلم الإناث خصوصاً بينما لا تولي أولوية للتعليم عموماً.
“إصرار للتعلم”
وبدأ شغف نجاح سليمان بالتعليم مذ كان عمرها ستة أعوام، تتذكر الآن كيف قاومت منعها من ارتياد المدرسة.
“قَدِمت زوجة عمي إلى عفرين لاصطحابي إلى القرية، حاولت التهرب لكن لم أنجح، وفي الطريق جرحت يدي بشفرة كنت أبري بها قلم الرصاص لجعل أقاربي يعدلون عن قرارهم، لكن دون جدوى.”
لكنها إصرارها جعلها تنجح في العودة لمقاعد المدرسة مجدداً، تقول إنها لشدة فرحها عادت مشياً إلى المدينة من قريتها ميركان التابعة لناحية ماباتا (/12/ كم غرب عفرين).
ودرست “نجاح” في زمنٍ “لم يكن يسمح فيه لغالبية الفتيات بالخروج من المنزل.”
وأضافت أنها كانت ترتاد المدرسة بالسر دون علم أبيها محمد سليمان المعروف بمحمد أفندي في البداية، إلى أن علم بالأمر ومنعها، لكنه اقتنع لاحقاً بالسماح لها بإكمال دراستها.
تشدد “نجاح” على أن ذلك تمَّ بعد أن أقنع أستاذها، مصطفى فاضل، والدها بالسماح لها بإتمام دراستها.
“صف الإناث”
ووصلت الفتاة إلى الصف الثالث حيث لم يكن هناك بعده مدارس للإناث، إلاّ أنها أكملت دراستها رفقة سبع فتيات أخريات في مدرسة الذكور.
وتقول “نجاح” إنها بعد نجاحها للصف الخامس، ذهبت رفقة صديقاتها إلى مقر قائم مقام عفرين آنذاك، شيخ رضي الأيوبي، في مكتبه بالسرايا وطلبت منه إحضار معلمة لفتيات عفرين.
ولم يفارق حلم الدراسة الفتاة، ولم تتوقف عن سعيها حتى حين أغلقت الأبواب في وجهها، فانتقلت إلى حلب لتدرس في مدرسة معاوية.
عقود من العطاء
وفي العام 1958 بدأت مرحلة جديدة في حياة الفتاة المتخرجة حديثاً من دار المعلمين، وجاء تعيينها في مدينة عامودا بمنطقة الجزيرة.
هناك التقت زميلاتها في الدراسة، أمينة الأشتر، ومضيئة نشار، ورياض حكيم اللواتي درّسن هناك معاً لعامين.
وتتذكر المعلمة الكردية أن سكان عامودا أكرموها مع زميلاتها، “كانوا يؤمنون كافة احتياجاتنا، ولم نتعرض لأي إزعاج طيلة عامين.”
وانتقلت إلى مدينة جنديرس بريف عفرين لتدرس هناك مدة عام، ثم إلى مدينة عفرين التي شهدت شغفها بالعلم والتعلم منذ الطفولة.
في مدينة عفرين، أصبحت نجاح سليمان مديرة المدرسة في عفرين، إلا أن قراراً للحكومة السورية قضى بنقل تعسفي لجميع المعلمين الكرد هناك، ما أجبرها على الانتقال لمدينة حلب.
تتذكر كيف رفعت في العام 1961 طلباً لمديرية التربية في حلب، طالبت فيه بافتتاح صف خاص لطلاب الصف السادس في مدرسة عفرين.
“لقد بعثت بطلب لتربية حلب وأرفقته بهذه الجملة: حين درست لم يكن هناك صفوف لأدرس فيها، لكن أين سيدرس هؤلاء الطلاب حالياً؟”
تمت الموافقة وبعدها قامت باستئجار غرفة لاستقبال ناجحي الصف الخامس في الصف السادس، غير أنها اضطرت لمغادرة المدرسة والمدينة نحو حلب.
ودرّست نجاح في عدة مدارس بمدينة حلب منها مدرسة باب النيرب خلف قلعة حلب ومدرسة الغسانية ومدرسة محطة بغداد، وبعدها مدرسة قرطبة في حي الأشرفية ذي الغالبية الكُردية.
وساهمت المعلمة في إقناع الأولياء من الكرد بتسجيل أبنائهم في المدارس، لتقوم مديرية التربية في حلب أمام ازدياد عدد التلاميذ بافتتاح صفوف جديدة.
وانتقلت قبل سنوات من تقاعدها لمدرسة عبد اللطيف نعناع في حي السريان.
تتذكر الآن الكثير من الأسماء والأحداث التي مرت في حياتها.
تقول إنها صادفت قبل فترة أحد طلابها من مدينة عامودا، وإن كثيرين يذكرونها بمجرد سماع اسمها بأنهم كانوا طلابها يوماً ما.
ولا تنسى نجاح سليمان اعتقال زوجها المحامي شوكت نعسان، وهو شخصية سياسية كردية معروفة، قبيل موعد العرس بساعات.
وقد حوكم “نعسان” آنذاك بالسجن لمدة عام لنشاطه وكتاباته السياسية، حيث تم تأجيل العرس للعام التالي.