الرئاسة الأميركية في ذمّة كوفيد-19

أُصيب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالفيروس “الصيني” كما يحلو له أن يسمّي فيروس كورونا، ونُقِل في يوم الجمعة الفائت من البيت الأبيض إلى مشفى والتر ريد العسكري لمتابعة علاجه في وقت مبكّر من الإصابة من قِبل فريق كبير من الأطباء والممرضات يرأسهم طبيب البيت الأبيض، شون كونلي.

المشفى هو مركز صحي يتبع مؤسسة الدفاع الأميركية ويحمل اسم الطبيب العسكري، والتر ريد، وهو طبيب الجيش الأميركي الذي قاد بحثاً علمياً أدى إلى اكتشاف مرض الحمّى الصفراء. ومنذ افتتاحه في العام 1909، يقوم المركز الطبي بمعالجة أفراد الجيش ورؤساء الولايات المتحدة وأعضاء الكونغرس وقضاة المحكمة العليا، كما ويتمّ التعامل مع الرؤساء ونواب الرئيس بشكل روتيني في وحدة التقييم الطبي والعلاج في المركز ضمن جناح رئاسي آمن ومستقل.

وفي مؤتمر صحافي للطبيب “كونلي” صباح يوم أمس الأحد، أعلن أن الرئيس يتمتع “بصحة جيدة” ولم ترتفع درجة حرارته على مدى الساعات الأربع والعشرين الفائتة، وأضاف أن الرئيس يتنفس جيداً من دون مساعدة و”لا يتلقى دعماً بالأوكسجين”. بينما صرحت عدة مصادر إعلامية أغلبها تميل إلى اليسار الديمقراطي الذي يمثلّه معسكر المرشّح الرئاسي المنافس، جو بايدن،  أن “بعض المؤشرات الحيوية للرئيس خلال الساعات الماضية كانت مقلقة للغاية.”

إصابة الرئيس الأميركي وزوجته وعدد كبير من أعضاء حملته الانتخابية وقادة من حزبه، ضربت العاصمة الأميركية بسوط من الهلع. فمن جهة، الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وإصابة الرئيس الذي هو أحد المرشحَين للرئاسة لدورةٍ ثانيةٍ تُعتبر ضربةً نوعيةً لسير العملية الانتخابية حيث ستتوقف معظم الأنشطة التي كانت معدّة مسبقاً ومبرمجة على أجندة ترامب للأسبوع القادم، كما أنها ستؤثّر بشكل مباشر أيضاً على حملة منافسه الديمقراطي، جو بايدن، حين خطفت الأضواء عن مسارها، بينما تركّزت على مشفى والتر ريد وتطوّر الحالة الصحية للرئيس، الحالة التي يتابعها الأميركيون كما يتابعها العالم وأدّت منذ إعلان إصابته إلى رجّة في مؤشرات الأسواق العالمية، والتي لم تتضحّ طبيعتها حتى تاريخ كتابة هذه السطور في سياق المعلومات المتضاربة عن مدى استجابته لجرعات العلاج المضاد للفيروس.

الإعلان عن إصابة الرئيس ترامب بفيروس كورونا جاء إثر أيام فقط من المناظرة المحبطة التي جرت بينه وبين منافسه بايدن، والتي أصابت المراقبين، كما أصابتنا نحن كشعب أميركي، بالصدمة، نظراً إلى مستوى الخطاب الهابط ودرجة انفعاليته وتدنّي لغته، وبخاصةً إذا ما استعرضنا الألفاظ التي استعملها المرشح الديمقراطي بايدن، قاصداً بها الإساءة لمنافسه، دون أن يعي أنه إنما يصيب بشتائمه ملايين الأميركيين الذين صوتوا لترامب في انتخابات العام 2016، ومعظمها جاءت على شكل إهانات شخصية لا تمت للمناظرات السياسية بصلة، تراوحت بين وصف الرئيس بأنه “مهرّج” و “كاذب” و مجرد “جرو لبوتين” إلى أن وصل الاستهتار بالموقع الرئاسي الذي يمثّله الرئيس الأميركي أن قال بايدن لترامب: اخرس!

المناظرة جاءت استثنائية بامتياز وبكلِّ ما في الكلمة من معنى في سلبها وإيجابها. فحجم الاستقطاب الذي يعتري الشارع الأميركي قبيل الانتخابات الرئاسية 2020 التي توصف بأنها تاريخية لم تشهد أميركا ظروفاً مشابهةً لظروفها منذ الحرب الأهلية الأميركية، والانقسام الشديد في الرأي العام حول أداء المعسكر الديمقراطي الذي يسيطر على مجلس النواب ووسائل الإعلام مقابل المعسكر الجمهوري الذي يتربّع في البيت الأبيض ويملك الأغلبية في مجلس الشيوخ، هو سيد الموقف.

وبالرغم من محاولة نائب الرئيس الأسبق بايدن، خلال المناظرة، تدمير فرص منافسه الرئيس الحالي ترامب في محاكاة أصوات الفئة من الناخبين التي تدعى “متأرجحة”، ويقصد بهذا التوصيف الطبقة من الناخبين التي تقف في الوسط بين الحزبين، والتي تنتظر عادة المناظرات التلفزيونية المباشرة من أجل أن تتخذ قرارها لصالح من ستعطي صوتها قبيل اليوم الفعلي للتصويت في الثالث من شهر نوفمبر/تشرين الثاني كل أربعة أعوام، نستطيع أن نقول أن بايدن فشل بامتياز.

فالمناظرة التي كانت أقرب إلى المهاترة، لم تحقّق أي أهداف تُرجى لكلا المتنافسين ولم يكن فيها طرف خاسر وآخر رابح؛ الأمر الذي زاد المناخ الانتخابي غموضاً وتخبّطاً والمزاج الشعبي امتعاضاً، ودعا بعض الناخبين الحريصين على هيبة موقع الرئاسة الأميركية إلى توجيه اللوم الشديد لبايدن على استخدامه ألفاظاً خارجة عن السياق الدبلوماسي والعرف التقليدي لثقافة التخاطب التي يتربّى عليها الأميركيون، والتي تحضّ على  الابتعاد عن توجيه الشتائم الشخصية مهما كان الخلاف شديداً، فما بالك إذا كان الشتم على مسمع ومرأى مئات الملايين من الذين تابعوا المناظرة داخل وخارج الولايات المتحدة، المناظرة التي غدت مدعاةً لسخرية الشامتين واكتئاب المتابعين من الضحالة السياسية لهذه المعركة اللفظية التي أهين خلالها رئيس الدولة الأكبر في العالم، على الملأ، وبأقسى النعوت؟!

خروج الرئيس ترامب من وولتر ريد المرتقب صباح اليوم الإثنين، وعودته لممارسة مهامه كاملةً في البيت الأبيض خلال تعافيه من إصابته بمرض كوفيد-19، سيعطي زخماً من نكهة أخرى لحملته، وسيجلب إليها تأييد العديد من الذين تعاطفوا مع حالته الصحية من خارج دوائر مؤيديه أو حزبه. ومع وصولنا إلى الأسابيع الأخيرة التي تسبق التاريخ الفعلي للانتخابات التي لن تعلن في اليوم نفسه كما جرت العادة بسبب لجوء ملايين الناخبين إلى التصويت بالبريد -وأنا واحدة منهم، سنكون أمام شهرين ساخنين جداً قد تضاهي سخونتهما حمّى كوفيد-19 التي تجتاح العالم ولم توفّر الرجل الأقوى فيه.