سكان بإدلب يتحدثون عن فساد ورشاوى وتبرئة قتلة في محاكم هيئة تحرير الشام

إدلب – نورث برس

تشهد محاكم هيئة تحرير الشام في إدلب فساداً قضائياً يتمثّل في تبرئة متهمين بجرائم خطيرة مقابل الحصول على مبالغ مالية تُدفع كرشاوى بشكل شبه علني.

ويقول سكان في إدلب إنهم “خرجوا من تحت الدلف إلى تحت المزراب”، في إشارةٍ إلى الصورة القاتمة للواقع القضائي في منطقتهم مقارنةً مع الممارسات السابقة المماثلة خلال فترة خضوع المنطقة لسيطرة الحكومة السورية.

“تخلصنا من يد ظالم، لنقع بيد أظلم منه.”

بهذه الكلمات تعبّر زوجة القتيل خالد الحسون الذي قضى نحبه في إدلب إثر تعرضه لطلق ناري في الرأس، عن حالتها.

وقالت الزوجة المكلومة، في حديثٍ لنورث برس، إن زوجها قُتِل على يد أحد الأشخاص في وضح النهار، “وعلى مرأى العالم أجمع.”

وأضافت أن الجاني أطلق عليه النار على خلفيّة شجار دار بينهما فأرداه قتيلاً، ليلوذ بالفرار دون محاكمة حتى اللحظة، بحسب قول الزوجة.

القاتل طليقاً

وتتحدث زوجة القتيل وتدعى “أم محمد” من مدينة معرة النعمان، بعد تنهيدة طويلة، عن مقدار الألم بداخلها حيال تفاصيل الجريمة التي حدثت في الـ/30/ من شهر نيسان/أبريل عام 2018.

وقالت: “كنّا دائماً نتلاسن مع عائلة القاتل، لكن في المرة الأخيرة لم يتردد القاتل الذي يُدعى حيّان من إشهار سلاحه وإطلاق النار على رأس زوجي ليرديه قتيلاً.”

وأضافت أنها توقعت كل شيء إلا أن ينجو القاتل بهذه البساطة دون أن يدخل السجن لحظةً واحدةً، “خاصةً أن الجهاز الأمني التابع لهيئة تحرير الشام أوحى لنا أن القاتل في السجن.”

وأشارت أنهم اكتشفوا لاحقاً أن القاتل باع أرضاً بعشرة آلاف دولار دفعها للهيئة مقابل إطلاق سراحه، “وهو اليوم حرٌّ طليق.”

وقالت “أم محمد” إنها وعائلتها عرفوا بالصدفة أن القاتل يعيش في منزله، الأمر الذي لم يحتمّله ابنها، على حدِّ قولها.

وأضافت: “قام ابني بمهاجمة منزل القاتل، لتعمد الهيئة بدلاً من القبض على القاتل ومحاكمته، بإلقاء القبض على ابني وأردته في السجن بتهمة مهاجمة منزل القاتل.”

وقالت “أم محمد” إن زوجها كان يعمل في مرصدٍ لتحذير السكان عند إقلاع طائرات الحكومة السورية من المطارات التابعة لقواتها لقصف مناطق في الشمال السوري.

“وعمله هذا وحرصه على حياة المدنيين لم يشفع له في محاكم الهيئة.”

مع سيطرة هيئة تحرير الشام على قرى وبلدات محافظة إدلب، قامت بتشكيل حكومة الإنقاذ ومن ثم أسست محاكم شرعية تابعة لحكومتها.

ويقول سكان في إدلب إن تلك المحاكم باتت مصدر ارتزاق للقضاة والموظفين من خلال الفساد والرشاوى التي تثقل كاهل السكان.

سرقة وقتل

ولم تكن حادثة مقتل “الحسون” الوحيدة التي شهدت تبرئة المذنب من فعلته، بل هناك حوادث أخرى عديدة كحادثة الشاب يحيى الرجب الذي تعرض للقتل والسرقة في منزله.

وكانت مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص قد أقدمت مطلع عام 2016 على قتل وسرقة “الرجب” وشريكه بشار المهنّا.

ورغم توصّل محكمة الهيئة للقتلة واعترافهم بالجريمتين، لكنهم تمكنوا من الهرب ولاذوا بالفرار في ظروف غامضة من سجن إدلب المركزي.

ووفقاً لمصدرٍ تحفّظ على ذكر اسمه لنورث برس، فإن أهالي القتلة دفعوا مبلغاً مالياً كبيراً مقابل تدبير هروب أبنائهم من السجن بالتعاون مع عناصر الهيئة.

“ادفع تسلَم”

ويقول سكان في المحافظة إن دفع الرشاوى بات أمراً شائعاً وعلنياً على نطاق واسع لدى الهيئة، وكثيراً ما تساوم الأخيرة على المعتقلين لديها مقابل دفع رشاوى.

ويضيفون أن من استطاع إرضائها بمبلغ سخي لا يُحتَجَزُ يوماً واحداً ويتم الإفراج عنه على الفور، بينما يحدث العكس للفقير وضعيف الحيلة الذي سيكون مصيره مجهولاً داخل أقبية سجون الهيئة، بحسب سكان.

ويشير البعض إلى حادثة أخرى تعرض فيها العامل سليمان العبّي، للضرب المبرح من قِبل رئيسه في العمل وأبنائه، على خلفية شجار نشب بينهم إثر مطالبة “العبّي” بحقوقه المالية التي لم ينكرها عليه صاحب العمل وحسب بل قام بضربه والإساءة له.

وكان “العبّي” قد تقدّم بشكوى لدى إحدى محاكم هيئة تحرير الشام مصطحباً معه تقريراً طبياً يوضِّح تعرضه للضرب وإصابته برضوض متفرقة في أنحاء جسمه.

وقال “العبّي” في حديثٍ لنورث برس إن عناصر الهيئة سارعوا “كالعادة” إلى إلقاء القبض على المتهمين وإحضارهم إلى المحكمة للتحقيق معهم.

وأضاف أن المفاجئة كانت بالإفراج عن المُشتَكى عليهم من السجن في اليوم ذاته دون أن يتم التعرض لهم “ولو بكلمة واحدة.”

وعَلِم “العبّي” لاحقاً أنهم دفعوا مبلغاً مالياً يُقدَّر بألف دولار أميركي عن الشخص الواحد وتم إخراجهم جميعاً لتذهب شكواه أدراج الرياح، وفق تعبيره.

معايير مزدوجة

ويتهم حقوقيون وناشطون في المنطقة هيئة تحرير السام بالكيل بمكيالين.

وقال محمد الشوّاف، وهو حقوقي في إدلب، لنورث برس: “معظم من أعرفهم ودخلوا سجون الهيئة تم القبض عليهم بشكل تعسفي، وقضوا مدة شهرين وحتى ستة أشهر دون أن يتم استجوابهم.”

وأضاف: “حين ينتهي بك الأمر في سجونهم، ستكون أمام خيارين: إما الدفع أو النسيان، خاصةً إذا كنت ناشطاً أو صحفياً.”

وقال “الشوّاف” إنه لا يمكن اعتبار محاكم الهيئة مؤسسات قانونية رسمية، “فهي مجرّد سلطة أمر واقع فُرِضت على المجتمع بقوة السلاح.”

وأضاف: “أنيطت بعض الأمور القضائية بهذه المحاكم في حين ليس هناك قانون فعلي يضبط وينظِّم عملها ويشكل مرجعية واضحة للمتخاصمين.”

“قضاؤنا يسير وفقاً للشريعة”

ورداً على هذه الاتهامات، قال أبو الوليد، وهو قاضٍ شرعي في محكمة إدلب التابعة لهيئة تحرير الشام، لنورث برس، إن محاكم الهيئة تعتمد في قوانينها على “تحكيم الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والموسوعات الفقهية.”

واعتبر أبو الوليد أن القضاء في إدلب “نزيهٌ ويحكم وفق كتاب الله وسنّة رسوله.”

وأشار إلى أن قضاء الهيئة “يختلف عن قضاء النظام الظالم الذي يسوده الفساد والمحسوبيات.”

وكان ثلاثة سجناء ممن أفرجت عنهم محاكم الهيئة قد أكدوا لنورث برس أن عائلاتهم مارست الضغط أو استخدمت “واسطة” قريبة من الهيئة لإطلاق سراحهم بعد توقيع وتسجيل تصريحات من قبل المعتقلين يتعهدون فيها بعدم التصوير أو الحديث عن الهيئة في منطقتهم.

منظمة حقوقية دولية توثّق التعذيب

وكانت هيومن رايتس ووتش قد تحدثت إلى أربعة “ناشطين” محتجزين في سجن العقاب التابع لهيئة تحرير الشام ونقلت عنهم جميعهم تعرضهم لظروف سيئة وتعذيب وإساءة في المعاملة.

وقالت المنظمة الحقوقية إن “المحققين كانوا سوريين وتونسيين، حيث لم يتمكن أي من المعتقلين من مقابلة محامٍ أو استشارته، ولم يمثل سوى اثنان منهم أمام قاضٍ شرعي في محاكم الهيئة.”

وأضافت المنظمة أن هذه المحاكم لم تحقق المستوى المطلوب بموجب القانون الإنساني، بحيث لا يجوز إدانة أي شخص أو إصدار أي حكم بحقه إلا بعد محاكمة عادلة، وهو ما لا يحدث في محاكم الهيئة، وفقاً لما نقلته هيومن رايتس ووتش.

“فجميع المعتقلين قالوا إن مسؤولي السجن ضربوهم وأساؤوا معاملتهم جسدياً وبلغت الانتهاكات مستوى التعذيب.”

إعداد: سمير عوض – تحرير: أوس حمزة