مثقفون في دمشق: لا ثقافة وإبداع في زمن الخوف وغياب الحريات

دمشق ـ نورث برس

تبوأت دمشق، قبل الحرب مكانة ثقافية بارزة على الصعيدين العربي والدولي، وتم اختيارها من اليونسكو عام 2008 لتكون عاصمة للثقافة العربية.

وشُرع في تطبيق فكرة عاصمة الثقافة العربية سنة 1996، بناءً على اقتراح المجموعة العربية في اليونسكو خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية العشرية العالمية للتنمية الثقافية، (باريس ما بين /3/ و/7/ كانون الأول/ ديسمبر 1995).

وتستند الفكرة إلى أن الثقافة عنصر مهم في حياة المجتمع، والتنمية الشاملة.

وتهدف إلى تنشيط المبادرات الخلَّاقة وتنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري، عبر إبراز القيمة الحضارية للمدينة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافية.

توقف الفعاليات

وخلال الحرب توقفت الأنشطة الثقافية، حيث توقف مهرجان دمشق للفنون المسرحية الذي انطلق في أيار/ مايو 1969، وتوقف بشكل مؤقت عام 1988، وعاد 2004، ليتوقف عام 2011.

وتوقف مهرجان دمشق السينمائي الذي أسسه المخرج الراحل محمد شاهين عام 1956، وكانت آخر دورة له عام 2010 بمشاركة /54/ دولة. 

ولم تعقد دورة 2012 بسبب الحرب.

الزمن المر

قال عجاج سليم وهو رئيس قسم الفنون المسرحية والإخراج السينمائي في الجامعة العربية الدولية الخاصة: “الواقع الثقافي في دمشق التي عمرها آلاف السنين، هش وضعيف.”

وأشار إلى أنه “يحتاج إلى الكثير من العمل، والدعم المادي والنفسي، ومساحة كبيرة من الحرية، فلا يمكن إنتاج ثقافة بدون حرية.”

وأضاف “سليم” وكان يشغل منصب المدير السابق لمديرية المسارح والموسيقى “كان لدينا ملاحظات على النشاط الثقافي الرسمي قبل الأزمة، كان يمكن نشر ثقافة السلام ونبذ الكراهية، لا أن يقوم /416/ مركزاً ثقافياً بنشاطات شكلية.”

وكان لانعدام الإحساس بالأمان وانتشار الخوف من العبوات الناسفة والقذائف وارتفاع تكاليف المعيشة، تأثير على الثقافة، بحسب “سليم”.

لكن الأخطر من وجهة نظر المخرج، هو انعدام التخطيط والمساحة المتاحة، وكم الأفواه.

وقال أيضاً: “العقلية التي كانت تدير الثقافة، عقلية سياسية محدودة وعقائدية، لا تعترف بالآخر وبحريته واليوم الثقافة محاصرة بواقع اقتصادي صعب.” 

وقال عبد الوهاب محمد، وهو شاعر سوري، علينا أن نفصل بين دور الثقافة في زمن الجوع، ودورها في زمن الحرب، “لا دور للثقافة في زمن البطون الخاوية، وخاصة عندما يكون المثقف ذاته، واحد من الجياع.”

وأشار إلى أن المشهد الثقافي الحالي “مؤلم، ووصل إلى مستويات منحطة.”

ومن الصعب إقناع جائع بالاستماع إلى قصيدة، أو الذهاب إلى فعالية أدبية، بحسب “عبد الوهاب”.

“ففي زمن الحرب، تبرز الثقافة كراية سلام، كمدافع عن الحقوق، وعلى المثقف أن يكون جندياً مخلصاً لوطنه، كما يتجلى دور المثقف والمفكر في قيادة المجتمع.” بحسب الشاعر.

وقال “محمد” أيضاً: “كثرة التغني بالزمن الجميل ليس بالأمر الحسن وكثيراً ما يبعد جمهور الثقافة عن المتابعة، فلماذا لا نكون كاشفين لحقيقة هذا الخراب؟.”

أما حربي عبدالله وهو شاعر ومترجم عراقي، يقيم في دمشق منذ ثمانينات القرن الماضي فقال: “دمشق نأت عن روحها، وهي التي كانت تبعث في عشاقها طاقة للبقاء وحباً لا ينفك يكبر.”

وأضاف: “نحن في المكان ذاته؛ لكن بدنيا أخرى، بدلت السماء قميصها الخاطر بثوب سديمي، يعكس اضطراب الروح، وأحلام الماضي ذهبت جاءت أحلام أخرى وحيوات أخرى واهتمامات أخرى.”

وقال: “إنه الزمن المر.”

مشروع وطني جامع

من جانبه يقول عمر جمعة، وهو صحفي وناقد فلسطيني مقيم في دمشق: “لا يمكن أن نسمّي المحاولات الفردية، وما قدم خلال سنوات الحرب بحركة ثقافية، فنشاطنا الثقافي مازال غارقاً بمشكلاته المزمنة.”

وأضاف: “يجب أن يكون النشاط مستنداً إلى مشروع وطني جامع وشامل، مستدام ومتواصل، تتنافس فيه اتجاهات ثقافية وإبداعية مختلفة، سواء استلهمت أحداث الحرب ووقائعها وحكايتها أم بُنيت على نصوص معرّبة أو مترجمة.”

وقال: “كيف تُخصّص للسينما والدراما التلفزيونية مئات الملايين فيما لا يخصص للمسرح عشرات الألوف.”

وتساءل جمعة: “هل سيبقى أبو الفنون يتيماً، يستجدي الدعم ليقاوم حالات الشللية، وإلى متى سنشهد هذه الارتجالات والمحاولات الفردية وخطواتها القلقة وحضورها الخجول؟.”

عودة المهرجانات ضرورة ملحة

وباتت عودة المهرجانات الدمشقية ضرورة ملحة، نظراً لعراقة هذه الفعاليات التي شارك فيها كبار الفنانين السوريين والعرب والأجانب، وكانت نقطة تنافس واستقطاب وجواز مرور لأسماء مهمّة.

وقال الناقد أحمد علي هلال: “الحياة الثقافية وخصوصيات الإبداع تتعدى حيّز الكم إلى طرح أسئلة جديدة على الحياة الثقافية السورية.”

وقال أيضاً: “فالمسألة ليس ملئ فراغ، بل تشكيل الثقافة المؤسسة على أبعاد جديدة، بعيداً عن تداعيات الحرب.”

وأضاف: “المطلوب تقاليد ثقافية جديدة لا تقطع مع الماضي وتستأنف رؤيتها للمعاصرة كشرط لازم، واستثمار التنوع الثقافي، وتأسيس علاقة جديدة مع الثقافة وفق رؤية جديدة تقوم على استنهاض الثقافة بأدوات قادرة على محادثة الواقع وتجاوزه.”

وأشار إلى أن عودة المهرجانات تعتبر أكثر من ضرورة، بل حاجة لها دلالاتها البعيدة والقريبة.

وقال: “وأقصد الضرورة بالمعنيين المعرفي والأخلاقي، حتى يفسح المجال لمقاربات جديدة تعيد الاعتبار للمثقفين بما يقدموه من صيغ ورؤى مختلفة وإلا ستظل الصورة النمطية قائمة.”

إعداد: أحمد كنعان ـ تحرير: معاذ الحمد