المثليون في دمشق.. تفاصيل حياة مسكوت عنها

دمشق – نورث برس

يبدو أن حادثة انتحار المصرية سارة حجازي، الناشطة في الدفاع عن حقوق المثليين، في حزيران/يونيو الماضي، وما رافقها من حملات “تعاطف وشماتة” عجَّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، جاءت كفرصة لمثليي سوريا للتعبير عن وجودهم بصورة أوضح.

وشملت حملة التعاطف التي تركزت في العاصمة دمشق تغيير عشرات الأشخاص في موقع “فيسبوك” جدران حساباتهم إلى صور “حجازي”.

على مدى خمسة أشهر متقطعة، تتبع معدُّ التحقيق نشاط /50/ حساباً على موقع “فيسبوك” أعلن أصحابها مثليتهم، في حين أجرى مقابلات عبر الرسائل النصيّة مع عشرة أشخاص ثمانية من بينهم كانوا إناثاً.  

أثناء المحادثات، بدا البعض حذراً في حين رفض البعض التعليق أو الخوض في الحديث عن تجربته باعتبارها “شأن خاص أو قضية عادية لا تستحق الحديث”، كما عبَّر بعضهم عن فقدان “الأمل في أن يتفهّم المجتمع وضعهم.”

وفي فترة انتحار “حجازي”، تداولت هذه الحسابات بكثرة عبارة “الاختلاف ليس جريمة”، والتي كُتِبت على العَلَم الملّون بألوان قوس قزح، وهو عَلَم المثليين أو ما يعرف بمجتمع “الـ جي بي تي”.

وترمز “الـ” لليزبيان، وهي الأنثى الميّالة للإناث، و”جي” يرمز “للغيي”، وهو الذكر الميّال جنسياً للذكور، و”بي” التي ترمز للباي سيكشوال، وهو الميّال للجنسين معاً، و”تي” للترانس، وهو المتحوّل أو العابر جنسياً.

وقبل انتحارها بفترة، رفعت “حجازي” العَلَم الذي يحمل عبارة (الكلّ للحب والحب للكلّ) في حفل غنائي بمصر لفرقة “مشروع ليلى” اللبنانية التي تؤيد حقوق المثليين.

وفي أعقاب الحفل، مُنعت “حجازي” من دخول عدد من البلدان العربية وتم اعتقالها في مصر و”تعرضت لتعذيب جسدي ونفسي شديدين”، وبعد إطلاق سراحها لجأت إلى كندا حيث أنهت حياتها.

حين “اكتشف” ميوله الجنسية

تتحدث مصادر حقوقية عن أن المثلية الجنسية كانت موجودة بكثرة في دمشق لكنها ظهرت بشكل علني على مواقع التواصل الاجتماعي بعد اندلاع الحرب التي تلت الاحتجاجات الشعبية في العام 2011.   

وقال “فادي”، وهو اسم مستعار لشاب يعيش في دمشق ويستعدُّ لدخول الجامعة: “كنت أرغب بالحديث باسمي الصريح ولست محرجاً من وضعي فأنا لا أشكّل أذى لأحد ولكنّي أخشى من الملاحقة القانونية.”

وأضاف بتذمّر: “القانون المتخلّف يعتبر حالتي جريمة.”

واكتشف الشاب ميوله الجنسية حينما كان في الصف الثالث الابتدائي حيث قام أحد الأشخاص بالتقرّب منه “ولم يكن الأمر اعتداءً أو اغتصاباً وإنما جرى بسلاسة.”

يقول “فادي”: “وجدت أن لدي استجابة للتجربة لذلك أعدتها مراراً، وتدريجياً اكتشفت أني أميل للجنسين بدرجات متفاوتة ومختلفة.”

لكنه يميل لأبناء جنسه أكثر، خصوصاً أنه اكتشف سابقاً وأثناء علاقة ربطته بفتاة أنه يشعر بنفورٍ كبيرٍ منها.

ولدى سؤاله عما إذا كان يفضّل أن يكون موجباً أم سالباً في علاقته الجنسية، قال: “أنا موجب في الغالب، ولكنّي لم أمانع في أن أكون سالباً إذا رغب الشريك.”

وقال أيضاً: “من حق كل شخص أن يمارس متعته بالطريقة التي يراها، ولا فرق بينهما إلا الفارق في الإدانة الاجتماعية حيث يكون السالب مداناً بطريقة أشد.”

لم نختر أن نكون هكذا

كان ذلك قبل نحو عشرة أعوام حين دخل “فادي” في علاقة حميمية مع فتى في دمشق، لكن العلاقة لم تدم أكثر من عام بسبب اكتشاف والد الفتى العلاقة.

وتعرّض “فادي” للضرب أكثر من مرة من والد الفتى، في حين تعرّض “فادي” للتعنيف اللفظي من المجتمع المحيط و”نظرات الاحتقار.”

ويرى الشاب أن على المجتمع معالجة “جرائم كثيرة وقحة وعلنية غير المثلية.”

وقال: “نحن لا نشكّل أذى لأحد فما علاقة المجتمع والقانون كي يتدخل في خيار شخصين قررا أن يكونا على علاقة معينة.”

وقال مثليون تحدثنا إليهم إن “الكثيرين يدَّعون المثلية، فقط لإثارة الاهتمام من قبل الآخرين، نتيجةً لما يتميز به الممنوع والمسكوت عنه من جاذبية.”

وقال أحدهم: “الحب هو الحب بغض النظر عن حدوثه بين أي كائنين {…} نحن بشر ليس لدينا أي خلل نفسي، ولم تكن طفولتنا قاسية، ولا تربيتنا خاطئة، ولا اخترنا أن نكون على هذه الحالة. لن نتغير.”

وعبَّر “فادي” عن حزنه لانتهاء حياة غالبية المثليين بالانتحار نتيجة “رفض المجتمع لهم.”

وأثناء سماعه بحادثة انتحار سارة حجازي، دخل “فادي” في حالة حزن شديدة بالرغم من أن “الحدث أعاد قضيتنا للأضواء وفتح باب الحديث عن حرياتنا وإعادة الاعتبار لنا. على العالم أن يفهم مدى القسوة التي يمارسها علينا حتى يدفعنا للانتحار.”

وروى الشاب قصة صديقته التي “تفكّر بإنهاء حياتها” لأن عائلتها تضغط عليها لتتزوج، وهي “تعيش مثليتها بسرية تامة لأنها ستتعرض بالتأكيد للقتل فيما لو عرف أهلها أنها على علاقة حب مثلية.”

وقال: ” كان لدي صديق انتحر قبل أقلّ من شهر بسبب ضغط أهله.”

“ترف التجارب”.. من الأسباب

وقالت الباحثة حنان الغزالي، الحاصلة على ماجستير في التربية الخاصة وتحضّر للدفاع عن رسالة الدكتوراه في جامعة دمشق: “نحن أمام حالة شاذة عن الطبيعي وكلمة شاذة هنا لا تحمل أي إدانة.”

وأسباب المثلية بحسب “الغزالي” إما “جينية أو مرضية عضوية أو نفسية ناشئة عن عقد نقص قد يكون سببها تمييز شديد بين الجنسين من قبل الأهل وهناك ما يعرف باسم ترف التجارب.”

وترف التجارب هو الرغبة بممارسة أي تجربة جديدة بعد الانغماس لدرجة كبيرة بالتجارب العادية.

وتقول الغزالي إن هذا الأمر ملاحظ لدى النجوم والمشاهير، “لكن هناك حالات كثيرة تماثلت للشفاء، ما عدا الحالة الجينية.”

وقالت أيضاً: “يجب أن نتقبّل وجود المثليين ولكن لا يجب أن يُترك الأمر هكذا، فلا بُدَّ من إحداث مراكز تدرس الحالات وأسبابها وإمكانية شفاءها حين تكون حالات مرضية ولا بُدَّ من دمج هذه الحالات بالمجتمع دمجاً كاملاً، وإن كنت استبعد أن يحدث ذلك في مجتمعنا.”

وعن أسباب رفض المجتمع للمثليين أضافت: “حتى المجتمعات التي شرّعت هذه العلاقات كانت ترفضها بمرحلة ما، فالمجتمع يرفض كل ما هو مختلف عن طبيعته.”

ورفضت “الغزالي” فكرة زواج المثليين “لأن الغاية الأولى من الزواج هي تكوين أسرة من خلال الإنجاب ودون هذه الغاية فالزواج ليس ضرورياً لا للمثليين ولا لغيرهم.”

وقالت على نحوٍ ساخر: “إذا قامت الدنيا وما قعدت منشان موضوع التبنّي ومطالب الزواج المدني، فبدك من هالمجتمع أنو يتقبّل زواج المثليين؟”

وعبَّرت عن اعتقادها أن المثليين يستطيعون أن يعيشوا علاقتهم بشكل طبيعي في دمشق “بشرط أن لا يدخلوا في صدام مع المجتمع.”

وقال رامي هاني الخيّر، وهو محامٍ مقيم في دمشق، إن المشرِّع السوري لم يدخل في تفصيلات العلاقة المثلية، “لكنه عاقب على الجِماع بخلاف الطبيعة بالحبس ثلاث سنوات.”

وما يقصده المشرِّع السوري “بخلاف الطبيعة” هو العلاقات المثلية وذلك في المواد /520/ و/517/ و/518/ من قانون العقوبات بحسب “الخيّر”.

ونصَّ المشرِّع السوري على تجريم التعرض للآداب العامة ونظرَ للعلاقات المثلية على أنها خرق للآداب العامة.

وقال المحامي: “ما زال المجتمع السوري غير ناضج فكرياً ومدنياً ليصل للتجربة الغربية بتنظيم أسس وتفاصيل العلاقات المثلية.”

واستدرك: “لكني أؤيد سنَّ قانونٍ يحقق العدالة والحماية للجميع وهذا من أهم مبادئ المحاماة.”

وبموجب التعديل الأخير في دليل التشخيص لمنظمة الصحة العالمية، لم تعد المشكلات الخاصة بالمتحولين جنسياً مصنفة على أنها اضطرابات عقلية أو سلوكية.

وسيكون أمام الدول الأعضاء حتى كانون الثاني/يناير 2022 وقت لوضع هذه التعديلات موضع التنفيذ، وقد تم الإعلان عن هذا التعديل لأول مرة في العام 2018 وجرت الموافقة عليه في الـ/25/ من أيار/مايو 2019. 

“راما”.. خاضت /15/ علاقة مثلية

قبل أن تبلغ الرابعة عشر، حيث بدأت حياتها كمثلية، كانت “راما”، وهو اسم مستعار لفتاةٍ تبلغ من العمر الآن /21/ عاماً، خاضت تجربة “غرامية” مع مراهق نَفَرت منه لاحقاً.   

تقول “راما” وهي طالبة سنة أولى في كلية إدارة الأعمال بجامعة دمشق، في مقابلةٍ حصرية لنورث برس، “كان الشاب يمسك بيدي ويقبّلني، وكنت أمضي وقتي معه، ولكنّي كنت أفكر بأنثى.”

وفي عمر الرابعة عشر، دخلت الفتاة في أول علاقة حميمية مع أنثى واستمرت حوالي ثلاث سنوات.

وتقول عن تجربتها تلك: “اكتشفت معها معنى الحب الحقيقي، ومع أن الذكور الذين عرفتهم قبلها قدّموا لي ربما أكثر منها، ولكنّي كنت مرتاحةً ومنجذبةً ومغرمةً بها.”

لكن حالتها تطوّرت بالتدريج، ففي البداية كانت رافضةً لما تشعر به ثم اكتشفت أن هذا الرفض هو “انعكاس للرفض المجتمعي، حيث أنيّ كغيري متأثرةٌ بوسطي ومحيطي من الناحية الاجتماعية والدينية.” 

وقالت: “تعرضت لرفضٍ كبير من كلِّ المقرّبين الذين عرفوا حالتي، وكنت أشعر بخوفٍ كبير من مواجهة المجتمع بحالتي قبل أن أخبر أهلي بوضعي، ورغم أن عائلتي ليست متقبّلة إلا أنها لم تعد تتدخل بشأني كثيراً بعد إقدامهم على ضربي في إحدى المرات، وهذا ما جعلني غير مهتمة بالمجتمع.”

لكنها تتعامل حتى الآن بحذرٍ حيال التصريح بحالتها لأيٍّ كان، “لأني لا أعرف الموقف الذي من الممكن أن يتخذه مني ، فهو يستطيع الإبلاغ عني.”

والفرق الوحيد بين العلاقة “غير العادية” كما اسمتها “راما” والتي تقوم بين أنثى وأنثى والعلاقة العادية بين أنثى وذكر “هو الأعضاء التناسلية فقط.”

أما المشاعر والأحاسيس وطريقة الحب فهي ذاتها، “نحن نتألم من الخيانة ونعيش أوجاع الحب كاملة فقد عشت حوالي /15/ علاقة وتركتني إحدى حبيباتي، فقط لأني أتعاطى الكحول والسجائر، فخلافاتنا كمثليات هي ذات الخلافات في العلاقات العادية بين أنثى وذكر.”

لا تفكير بنشاطٍ أو احتجاج

مثلها مثل معظم المثليين، لا تجرأ “راما” على التفكير بالقيام بنشاطٍ يدافع عن حقوق المثليين في دمشق، كما يقوم به مثليون في دول غربية.

“لن ينتظروا حتى تتضح الصورة، سيقومون بالعقاب ربما قبل البدء بأي نشاط.”

وقالت: “المجتمع ينفر من كلِّ ما لا يشبهه ويحتاج إلى شيطان بطريقة ما ليحاسبه ويفجّر فيه غضبه ويغطي على انتهاكاته وخروقاته للإنسانية ونحن نمثّل هذا الشيطان.”

ولذلك تقول “راما” إنها تفكر بمغادرة البلاد “لأني واثقة من ميولي ولست موهومةً ولم أكن ضحية موضة، ومن ناحية أخرى لا أمل لدي أن تتطور القوانين لتحمي وتحترم من هم مثلي.”

أثناء اللقاء، حاولت الفتاة أن تدخل في تفاصيل حياتها ومشاعرها وقالت إزاء علاقتها مع مثلية: “هي زوجتي وأنا زوجتها.”

ولم تشعر يوماً برغبة في الأمومة و”لكني مستعدة كُرمى لزوجتي أن أتبنّى حتى لو اضطررت لإقامة زواج صوري مع رجل كي أحصِّل الأوراق المطلوبة التي تؤهلني للتبنّي.”

لكنها “لمست من خلال علاقاتها الحميمية رغبة بعض المثليات بالأمومة.”

وتعرّضت “راما” خلال تجربتها للضرب مرةً واحدةً من قبل عائلتها، لكنها طُرِدت من المنزل مراراً، “أعرف أن الذي قام بضربي كان في حالة عجز عن فهم أني مختلفة عنه وعن نصوصه المقدسة.”

وقالت إنها دخلت السجن في إحدى المرات “حين قام أهل حبيبتي بالإبلاغ عني، سُجنا معاً لفترة وجيزة، ثم خرجنا عن طريق وسيط، كان الادعاء أني أقوم باغتصاب ابنتهم، ذلك لأنهم لم يتقبّلوا أن تكون ابنتهم مثلية، كانوا يفترضون أنني السبب.”

إعداد: أحمد كنعان – تحرير: حمزة همكي