بدعم عائلتها كسرت النمطية.. شابة تفتتح محلاً لصيانة الكهربائيات شرق قامشلي

قامشلي – نورث برس

مع صباح كل يوم، تقود هدية دراجتها النارية متجهة نحو محلها في مشهد لا يخلو من الغرابة، إلا أن سكان المنطقة اعتادوا على رؤية “معلم البرادات الأنثى”.

وتدير هدية عساف (19عاماً) لوحدها محلاً لصيانة الأدوات الكهربائية في قرية “باقلا” بريف بلدة جل آغا، شرق مدينة قامشلي شمال شرقي سوريا.

ومنذ افتتاحها للمحل قبل خمسة أشهر، لا توفر جهداً لزيارة زبائنها إن اقتضى الأمر مستعينة بدراجتها النارية، ومتفوقة بذلك على بعض زملاء المهنة.

ولا تبدو الشابة مبالية بما يقوله عنها محيطها، إذ لا تزال فكرة إقدام فتاة على ممارسة أعمال نمطية للرجال غير مقبولة في مجتمعها.

كسر النمطية

وتقول لـ “نورث برس” إن تجربتها في مواجهة أحكام مسبقة، تعود إلى خمس سنوات خلت، حين عزمت على تعلم قيادة الدراجة النارية وهي لا تزال طالبة في الصف الثامن.

حينها كانت تعاني من مشكلة التأخر في الوصول إلى مدرستها، وكان يتحتم عليها قطع أربعة كيلومترات للوصول إلى المدرسة الواقعة في إحدى القرى المجاورة.

“تأنيب إدارة المدرسة بسبب تأخري المتكرر، كان دافعاً للتفكير بحل للوصول إلى دوامي في الوقت المناسب”.

دعم عائلي

“ممَّ تشكو الدراجة النارية، تعلمي وحلي مشكلتك وتابعي دراستك”، تقول هدية إنها ما إن سمعت كلمات أمها المشجعة حتى زال ترددها وكأنها التقطت منها طوق النجاة.

وتكفل شقيق هدية الأصغر بتدريبها على قيادة الدراجة النارية، ولم تستغرق سوى /11/ يوماً لتبدأ بارتياد المدرسة بواسطة الدراجة النارية وحل المشكلة بشكل جذري.

وتشير الشابة إلى الدعم الكبير الذي تلقته من عائلتها المؤلفة من خمسة شبان وأربع شابات وأمها وأبيها الذي يعمل موظفاً في “شركة الرميلان” للنفط.

“غاية لا تدرك”

وتستذكر هدية كيف كان والدها يشجعها مردداً: “ابنتي لا تهتمي لكلام الناس فإرضاؤهم غاية لا تُدرك”.

وتشير إلى أن فخر والدها جعلها تستطيع كسر القاعدة المجتمعية “ما هو محلل للذكور مُحرم على الإناث”، وحفزها ذلك لمتابعة ما عزمت القيام به وإتقانه.

في المرحلة الثانوية، لم يحالف الحظ “هدية” في نيل الشهادة، وتقول إنها عزمت على البحث عن عمل مناسب يليق بها ورفضت أن تبقى حبيسة جدران المنزل.

فرصة وبداية

“كنت قد سمعت بمركز تنمية الشباب والرياضة في مدينة جل آغا؛ فركبت دراجتي وذهبت لأستفسر عنه”.

ويستقبل” مركز الشهيد علي مبارك للشباب والتنمية” الفتيات والشبان الذين تتراوح أعمارهم بين الـ/١٥/ والـ/١٩/ عاماً، ويعمل على استقبال متسربين من المدارس ومهجرين وذوي دخل محدود وأيتام، بالإضافة إلى ذوي احتياجات خاصة”.

وتقول هدية: “وجدت نفسي أمام خيار تصليح الأدوات المنزلية من غسالات وبرادات؛ لأنّ أعداد المتدربين اكتملت في بقية المهن، فقررت القبول”.

لكن اختيارها ذاك لم يحظ حتى بقبول والدتها التي لطالما كانت سنداً لها.

لاحقاً، غيرت والدتها رأيها في ما اختارته ابنتها، بعد ما رأت نتاجها وانتشار سمعة عملها، وكيف بات الناس يقصدون محلها من كافة القرى المجاورة.

تقول الشابة: “أشعر بالسعادة عندما أقوم بتصليح عطل صعب “.

مواقف صعبة

ولم تخل مسيرة هدية المهنية من مواقف صعبة وتشكيك الزبائن في قدرتها، “بعضهم لا يثق بعملي لأنني فتاة، لكن ما إن تتم صيانة أدواتهم؛ حتى يعترفوا بمهارتي وإتقاني للعمل”.

وتروي الشابة، من تلك المواقف التي واجهتها من رفض الناس لعملها، أن أحد الزبائن تفاجأ لدى وصوله مع ابنته إلى محلها ليقول ساخراً: “ألم تجد أفضل من هذا المعلم الأنثى”.

وتضيف أن الزبون بقي على تصوره المسبق تجاهي، حتى حينما انتهيت من صيانة براده، إذ عاد وقال لابنته: “غداً سيتعطل البراد مجدداً!”.

وتقول هدية إن كلام والد الفتاة بقي يشغل بالها طوال الليل، لذا ما إن حل صباح اليوم التالي حتى “قصدت البيت لأطمئن على ما قامت يدايّ بصيانته”.

“بعد أن قدموا لي كأس ماء باردة، سألت صاحب البيت: هل أصبحت مقتنعاً الآن يا عم؟ تقولها ضاحكة”.

طموح

طموح وثقة بالنفس يكبران معها يوماً بعد آخر مع تباشير النجاح التي تلمسها مع إنجاز عملها كل يوم.

ورغم أن دخولها المبكر لميدان العمل يعني خسارة جزء من طفولتها، تؤكد هدية أنّها سعيدة باختيارها.

وتقول إنها عرفت كيف تستغل وقتها لإفادة أناس هم بأشد الحاجة إليها، وهو ما تعتبره نافعاً أكثر من اللعب وإضاعة الوقت.

ورغم وصولها إلى مستوى من الإتقان في عملها ما مكنها من تأمين مردود مادي حقق لها الاكتفاء، إلا أن حلمها لا يزال “أكبر مما حققته حتى الآن”.

“حالياً أطمح بافتتاح معرض لبيع وتصليح الأدوات المنزلية”.

“الزمن كفيل”

وترى الشابة الطموحة أنه يمكن لأي فتاة الاعتماد على نفسها مادياً واقتصادياً إن أرادت؛ “المرأة أكبر من كلّ الظروف وقادرة على الاعتماد على نفسها”.

وقالت وكأنها تريد أن تلخص تجربتها: “المهم أن أرضي نفسي وأشعر بفعاليتي بالمجتمع حتى وإن انتقدوني. الزمن كفيل بإثبات العكس لهم”.

إعداد: خشفه عمر مفتاح – تحرير: جان علي