في عملٍ فريد من نوعه.. مزارع يتفرّغ لتربية النعام في الجزيرة السورية

قامشلي – نورث برس

على أطراف قرية بريف تِربَسبي (القحطانية)، شمال شرقي سوريا، يتجول غارب ملكي (63 عاماً) في مزرعته الخاصة بتربية طيور النعام.

ويتوجّه الرجل الستيني كلَّ صباح مستقلاً دراجته النارية إلى مزرعته لتفقد حظيرة تلو الأخرى ويطمئن على طيور النعام وحيوانات أخرى يعمل على تربيتها في المزرعة.

ويقول لنورث برس: “أملك حالياً سبع نعامات وزوجاً من أفراخها، وأنتظر أن تفقس بيوض أخرى، كما أنني أربّي \25\ عجلاً ونحو \100\ دجاجة.”

وتُعتَبر محركان أكبر القرى التي يسكنها المسيحيون بريف مدينة تِربَسبي، وتعيش فيها حالياً /13/ عائلة مسيحية بعدما كان تقطنها /50/ عائلة قبل سبعينيات القرن الماضي.

وتُعدُّ تربية المواشي والدواجن مهنة أساسية لسكان الأرياف وتدرُّ عليهم دخلاً مقبولاً من خلال منتجاتها والتجارة بها، إلى جانب الاعتماد على الزراعة كمهنة رئيسية.

ولم يترك الرجل منزله في قرية محركان رغم انتقاله المؤقت منذ العام 1992 إلى مدينة قامشلي بهدف متابعة تعليم أطفاله.

وكان “ملكي” يعمل سابقاً كمراقب دوام في مؤسسة حكومية بمدينة تِربَسبي قبل تقاعده عام 2000.

ويعتمد على مزرعته، كمصدر دخل إضافي، وسط تدنّي قيمة راتبه التقاعدي وراتب زوجته المعلّمة، نتيجة انهيار الليرة السورية.

وبعد تقاعده بخمسة أعوام، توجّه لإنشاء مزرعته الخاصة بطيور النعام في القرية والتي كانت ولا تزال فريدة من نوعها في منطقة الجزيرة.

“حين أنشأت المزرعة، جلبت \86\ صوص نعام من دمشق، كانت بعمر الشهر، عملت على تربيتها حتى بلغت مرحلة النضوج بعد ثلاثة أعوام.”

ويُعدُّ النعام من الحيوانات المعمِّرة حيث يعيش ما بين /50 – 75/ عاماً، وتُعتَبر السافانا الجافة والحارة في أفريقيا الموطن الأساس لهذا الطائر.

وواجه المربّي تحدّيات كثيرة، منها صعوبة تأمين الأدوية الخاصة بتلك الطيور، وكذلك عدم قدرته على حماية مزرعته أثناء الأوضاع المرافقة للحرب السورية بعد العام 2011 واقتراب المجموعات المسلّحة المتشددة من القرية.

وحين عمل على بيع بعض طيوره، حاول أشخاص في محيطه تربية النعام أيضاً، لكنهم لم ينجحوا، “ولم يستطع أحد منهم المحافظة على الطيور.”

كما حاول “ملكي” تسويق طيوره إلى خارج سوريا، فتوجّه عام 2010 إلى معبر تل كوجر (اليعربية) لتسويقها في العراق، ولكن “التجارة الخارجية كانت ممنوعة وكانت جميع المعابر مغلقة أمامي.”

واضطر عام 2012، بسبب الأوضاع الأمنية وحالته الصحية، لبيع معظم طيوره، حيث لم يتبقَّ في مزرعته سوى سبعة طيور بالغة من أصل /64/ طير نعام.

ويضيف لنورث برس: “لم أستطع متابعة أمور المزرعة والاعتناء بطيوري فقمت ببيع أغلبها، بسبب حالة مرضيّة مررت بها في العام 2012.”

بعد ذلك لجأ غارب ملكي إلى تربية العجول الصغيرة وبيعها بعد تسمينها، كما يقوم بزراعة الخضار داخل مزرعته لسدِّ حاجة أسرته.

ويقول، وهو يسقي أصناف خضار حديثة الزراعة: “أسعار الخضار غير مستقرة، لذلك أقوم بزراعة ما نحتاجه كالبصل والثوم والبندورة والخيار والباذنجان والفجل والبقدونس وغيرها.”

ولا يضطر الرجل لشراء اللحم والفروج والبيض من الأسواق، فهو يحصل على احتياجات أسرته من الدواجن التي يقوم بتربيها.

ويمتنع “ملكي”، حالياً، عن بيع طيور النعام السبعة لديه، لأنه يسعى إلى استعادة سرب النعام في مزرعته، لا سيما بعد أن ارتفعت أسعارها.

ويقول: “في بداية إنشاء المزرعة، لم يكن يصل سعر النعامة الواحدة إلى /75/ ألف ليرة سورية، ولكن في الأعوام العشر الأخيرة ازداد الطلب عليها حيث يبلغ سعر الواحدة منها مليوناً ونصف المليون ليرة سورية.”

ويضيف: “عملت في تربية وتجارة أنواع كثيرة من الحيوانات، لكن تجربتي مع النعام كانت الأفضل بينها، ولن أتخلّى عن طيوري.”

ويُعتَبر غارب ملكي، وهو أب لشابين وثلاث فتيات، مزرعته مشروعاً اقتصادياً لمستقبل عائلته، وينتظر تخرّج إحدى بناته التي تدرس الهندسة الزراعية لتقوم بمساعدته في تطوير عمله.

إعداد: ريم شمعون – تحرير: هوكر العبدو