سيرلي سيمونيان.. موهبة أرمنية تسعى لإحياء الفن الأرمني في الجزيرة السورية
قامشلي – نورث برس
تجلس سيرلي سيمونيان (20 عاماً)، وهي من أرمن قامشلي، أمام آلة البيانو وهي تتدرب على إتقان النوتة الموسيقية لإحدى الأغاني الأرمنية.
وترغب “سيمونيان” من خلال موهبتها الغنائية بإحياء الفن الأرمني في الجزيرة السورية.
نشأت “سيمونيان” في عائلة أرمنية مكوّنة من أربعة أطفال (فتاتان وشابان)، وكان لعائلتها الدور الكبير في تطوير موهبتها في الغناء.
“كنت في الحادية عشر من عمري حين سمع والداي صوتي وأنا أغني داخل غرفتي بسبب خجلي، فقاما بتشجيعي للغناء بشكل علني وتطوير صوتي.”
تقول الفتاة العشرينية إن والدها كان من أكبر المشجعين لها ودعهما بكل خطوة لتطوير صوتها والعمل على تحسينه.
ترعرعت سيرلي سيمونيان ضمن عائلة أرمنية تملك ميولاً فنية، فأختها الكبرى ترسم وأخاها الصغير يتعلّم العزف على عدة آلات موسيقية.
عانت الفتاة الشابة من رهبة الوقوف أمام الناس والغناء وكان يتملّكها الخوف والخجل أثناء غناءها أمام مجموعة كبيرة من الناس لشعورها أنهم لن يُعجَبوا بصوتها وسيتنمّرون عليها.
وبقي حاجز الخوف يرافقها حتى صيف 2016 حين طلب منها أستاذها ومسؤول المدرسة الصيفية الأرمنية الخاصة، الغناء في حفل تخريج طلاب المدرسة.
“وقفت على المسرح وغنيت أغنية أرمنية، أمام العشرات من الأشخاص، وكانت هذه تجربتي الأولى.”
“تطوير”
وأثناء غناءها في احتفالية خاصة بنادي الأرمن في قامشلي عام 2017، تعرّفت “سيمونيان” على العازف والمدرّب الموسيقي، هاروت مادرجيان، والذي كان له دور في تدريب وتطوير صوتها.
كما شاركها بالعزف في الفيديو كليب الأول لها، والذي كان عبارة عن نسخة لأغنية أرمنية عن الإبادة الأرمنية التي تعرّض لها الشعب الأرمني على يد الدولة العثمانية عام 1915 في تركيا.
“اقترح عليّ الأستاذ هاروت أن نقوم بتسجيل أغنية خاصة بمناسبة الذكرى السنوية للإبادة الأرمنية، فسجلتها بصوتي وكان يرافقني هو في العزف على آلة الكمان.”
وتقول إن أغنيتها هذه كانت الأولى التي تُسجَّل بمنطقة الجزيرة، وخاصة بالإبادة الأرمنية.
ولم تقف بنت الـ/17/ آنذاك عند هذه الخطوة فقط، بل بدأت بتسجيل أغاني لفنانين أمثال فيروز وعبير نعمة وغيرهم، ونشرها عبر حسابها الخاص على موقع “فيسبوك”.
وكانت “سيمونيان” تعاني في البداية من قلّة المعاهد الموسيقية التي تهتم بالغناء في منطقتها، بالإضافة لظروف المنطقة خلال سنوات الحرب في سوريا.
“لم أستطع صقل موهبتي بالطريقة المناسبة بسبب ما نعيشه في سوريا من حروب، وظروف المنطقة لم تساعدني بسبب قلّة المعاهد الفنية.”
ولم تكتفي “سيمونيان” بغناء التراث واللون الأرمني فقط، فحاولت دمج الغناء العربي بالغناء الأرمني.
“قررت أن أعمل على شيءٍ خاص بي، فدمجت بين الأغنية الأرمنية “سيراهارفيليم” (مغرمةٌ بك) للمغني الأرمني، آرسين الجانانكيان، والأغنية العربية “بتعرف شعور” للفنان أدهم نابلسي.”
“مسؤولية كبيرة”
بعد تقديمها للأغاني القومية الأرمنية، وردود الأفعال الإيجابية المُعجَبة بصوتها، شعرت الفتاة الشابة بالمسؤولية تجاه نفسها وتجاه الفن الأرمني.
“بعد أن رأيت ردود الفعل الإيجابية، وطلبات من بعض المتابعين بالعمل على أغنية أرمنية خاصة بي، شعرت بالمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقي اتجاه الفن الأرمني.”
وعملت “سيمونيان” على تطوير صوتها بمساعدة أستاذها هاروت مادرجيان، و”اجتهاد شخصي من متابعة مواقع الإنترنت الخاصة بتدريب الأصوات.”
وكما تسعى الشابة هذا العام للحصول على الشهادة الثانوية، التي لم تحصل عليها خلال السنتين الماضيتين بسبب رغبة أهلها سابقاً في السفر والاستقرار في لبنان.
ولكن بعد تراجعهم عن قرار السفر، تريد الفتاة العشرينية إكمال دراستها.
وكانت مدينة قامشلي غنيّةً بفنانين وعازفين أرمن، بعضهم عمل في منطقة الجزيرة حتى بداية الأزمة في سوريا.
من بينهم مامبري سيمونيان، وبيدو شانويان، وبابكين خجادرويان، بالإضافة للفنان آرسين كركوريان الذي حصل على درجة الدكتوراه في الموسيقى، ويشغل الآن منصب نائب وزير الثقافة بأرمينيا.
وخرَّجت منطقة الجزيرة الكثير من الفنانين الأرمن والذين اشتهروا في البلاد العربية مثل الفنان وديع مراد الذي كان شمّاساً في الكنيسة الأرمنية بمدينة قامشلي.
كما أن بعض المغنيين الأرمن نالوا شهرة عالمية مثل آرام ديكران الذي غنى بمختلف لغات منطقة الجزيرة كالأرمنية والسريانية والعربية واشتهر أكثر بغنائه باللغة الكردية.
وفقدت المنطقة الكثير من المواهب الأرمنية التي لم تداوم على موهبتها في الغناء وهاجر غالبيتهم في السنوات العشر الأخيرة.
وللأرمن في الجزيرة السورية مدارس خاصة يتعلّمون فيها حتى الشهادة الثانوية، بالإضافة لامتلاكهم نوادي وصالات خاصة لتدريب وتعليم وتثقيف الشباب، ولهم فوج كشفي خاص بهم يعزف في المناسبات الدينية والقومية الخاصة بهم.
“تشجيعٌ لمواهب أخرى”
وقال كريست ميكائيليان، وهو عازف وموزّع موسيقي، لنورث برس: “تجمعني بعائلة سيرلي علاقة صداقة منذ فترة طويلة، صوتها أنيق وغنّت بعدة احتفالات في النادي الأرمني، لكن عليها أن تهتم وتتعرّف أكثر على الموسيقى الأرمنية لتترجم التراث الأرمني في أغانيها وتنقله للعامة بشكل محترف.”
وأضاف: “الموسيقى الأرمنية معروفة لمستمعيها، بمجرّد سماعها تعرف أنها أرمنية، كما للأرمن آلات موسيقية خاصة كآلة الدودوك (تشبه آلة الناي) والدهول أو الطبلة الأرمنية.”
وتعمل سيرلي سيمونيان، الآن، على إصدار أغنية جديدة من كلماتها وألحانها.
وتقول: “أتمنى أن تكون خطوة في إحياء الفن الأرمني في مناطق الجزيرة السورية.”
وتأمل “سيمونيان” أن تكون أعمالها مشجعةً لمواهب أرمنية أخرى، لغناء وتسجيل أغاني باللغة الأرمنية.