السويداء القديمة.. تراث على حافة الأفول وسط إهمال حكومي
السويداء – نورث برس
يقول مزيد مزهر (٦٩عاماً)، وهو مختار مدينة السويداء القديمة إنه قدم العديد من الشكاوى من سكان الأحياء القديمة إلى جميع المحافظين المتعاقبين طيلة ثلاثة عقود.
وهذه الشكاوى كانت للنظر في احتياجات السكان والمطالبة بتعويضهم نتيجة الأضرار الناجمة عن قانون قديم “استملك” منازلهم باعتبارها إرثاً للمدينة.
ويمنع القانون الصادر في العام ١٩٧٥ السكان من بناء طوابق سكنية إضافية أو التصرف بعقاراتهم دون العودة إلى مديرية الآثار.
“أولادنا يريدون السكن”
وقال مزهر: “من حقنا كسكان الأحياء القديمة أن تنصفنا الحكومة السورية وتعوضنا بمنازل خارج مخططات المدينة القديمة كونها أثرية ومستملكة من قبلها.”
وأضاف: “ندرك مدى أهمية الحفاظ على المعالم القديمة للمدينة السويداء القديمة، لكن لدينا أولاد ويريدون السكن.”
لكن وبالرغم من القانون قام بعض السكان بإنشاء أبنية حديثة محاذية لأبنيتهم القديمة، في حين عمد البعض الآخر إلى تشييد طوابق فوق الأبنية القديمة نفسها.
وجرى ذلك دون الحصول على رخصة البناء، بينما يقول سكان إن البعض حصلوا على رخصة بناء من دائرة الآثار ومجلس مدينة السويداء عن طريق الرشاوى.
“أطنان الإسمنت”
وقال أدهم أبو الفضل (٣٩عاماً)، وهو ناشط مدني في الجمعية التراثية “عاديات”، إن المخالفات “دليل واضح على الحلقة المفرغة والتنصل من المسؤولية.”
وتقول “العاديات” إنها منظمة أهلية مجتمعية تأسست في العام ١٩٩٠ و”تتصدى للمحافظة على الشكل العمراني والطراز الفلكلوري للمدينة القديمة وحماية الإرث الإنساني للمواقع الأثرية.”
وقال “أبو الفضل” إن دائرة الآثار تقوم بإجراءات قانونية للحد من المخالفات عبر تحريك دعاوى ضد مالكي هذه العقارات “بجرائم مثل تخريب مواقع أثرية.”
لكن “إعادة ما تم تخريبه من الإرث الثقافي الحضاري إلى ما كان عليه مستحيل”، بحسب “أبو الفضل”.
ونتيجة لإنشاء أبنية حديثة، تمت “إزالة وتشويه” المعالم القديمة التي طمست تحت أطنان الإسمنت.
“غياب الاستراتيجية”
وقال حسن زين الدين، مدير دائرة الآثار في محافظة السويداء، إن المعالجة يجب أن تستند إلى قرارات استملاك “عادلة” تراعي مصالح الناس ولا تتركها معلقة، مقابل اشتراطات الحماية التي قد تمتد عقوداً.
وقال أيضاً إنه في كثير من الحالات يتم استملاك موقع ما وتأهيله، ثم يترك ليصبح مهدداً بالتخريب من جديد بعد تسجيله أو تأهيله، ما يعني “عدم وجود استراتيجية للحكومة”.
لكنه أضاف أن اللوم لا يقتصر على الجهة المختصة بل على الجهات والوحدات الإدارية والمنظمات والجمعيات الأهلية التي يفترض بها التعاون مع الدائرة المختصة.
وقال محمود رعد (٥٥عاماً)، وهو مدرس لعلم الآثار والمتاحف في الثانوية السياحية بمدينة السويداء، إن تاريخ السكن في المدينة يعود إلى الألف الثانية قبل الميلاد.
وتنقسم المدينة القديمة إلى ثلاث مناطق، وهي المدينة العليا، وقد تم خلال السنوات الماضية الكشف عن سور المدينة وقلعتها وقصر الحاكم وعن عناصر سكنية كنعانية وآرامية، في الجهة الشمالية الغربية.
كما تشمل الحي الشرقي ويعود تاريخه إلى نهاية العصر الهلنستي.
ويتضمن المعبد النبطي- البركة الكبيرة المكشوفة (بركة الحج) القرن الأول قبل الميلاد، والحي الجنوبي ويعود للفترة البيزنطية ويتضمن المسرح الكبير – الأوديون – طرق – كاتدرائية – معبد آلهة المياه – كنيسة صغرى بين القرنين الثاني وحتى السادس الميلاديين.
وأكدت أعمال دائرة الآثار في محيط الشارع المحوري في العام ١٩٩٨ “أهمية تأهيل” هذه المنطقة، حيث تضم فترتي استيطان، أولاها في الفترة البيزنطية وقد دلت على وجوده بقايا مجاري قنوات مائية.
ويعيش في السويداء القديمة عائلات “عريقة” مثل آل رضوان وآل أبو عسلي وآل نعيم وآل أبو الفضل وآل مزهر وعائلات درزية أخرى يقدر عدد أفرادها حالياً بعشرة آلاف شخص.
وتشير دراسات تاريخية إلى أن العائلات الدرزية قدمت، منذ بدايات القرن الـ/18/، من لبنان جراء الاقتتال الحاصل هناك بين الدروز والموارنة.
وكانت تسمى آنذاك بجبل العرب نسبة إلى قبائل بدوية كانت تسكن في المنطقة، بالإضافة إلى بعض العائلات المسيحية قبل أن يتنامى المجتمع (الدرزي) ويستقر بها ويصبح الأكثرية السكانية.
“أوابد أثرية”
وقال كمال الشوفاني (٥٨عاماً) وهو كاتب ومؤرخ ومن سكان مدينة السويداء وترجم العديد من كتب الرحالة عن المدينة القديمة إلى اللغة العربية، إن المهاجرين الدروز الأوائل بنوا منازلهم من الحجارة السوداء البازلتية فوق بعض الأوابد الأثرية القديمة.
ومدينة السويداء مرشحة من بين /١٦٥/ موقعاً أثرياً في الشرق الأوسط لتندرج في لوائح منظمة اليونسكو للتراث العالمي.
ولكن الشوفاني يقول إنه بسبب “إهمال الحكومة السورية في حمايتها من التمدد العمراني الحديث، جعلتها تسقط من دائرة اهتمامات اليونسكو.” بحسب آخر تقرير صدر عنها في أيلول/سبتمبر عام ٢٠١٢ .
وقال: “حين تتجول بين أزقة وطرقات مدينة السويداء القديمة الضيقة تشعر بمدى حجم الاستهتار جراء تردي الواقع الخدمي وانتشار النفايات في بعض من جنباتها العريقة”.