صدر مؤخراً تقرير عن المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية، جاء فيه بأن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك سلطة فرض عقوبات على الجيش الوطني السوري المدعوم من قبل تركيا، والذي ارتكب جرائم ضد حقوق الإنسان، في خطوة للضغط على تركيا من أجل إيقاف الدعم المقدَّم لهذه الجماعات، والذي يشكّل إدانةً قاطعةً لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في المناطق المحتلّة.
وبحسب التقرير، لم يسبق للولايات المتحدة الأميركية أن فرضت عقوبات على الفصائل المسلّحة المدعومة من قبل تركيا، كردٍّ على ادعاءات وجهت لها بشأن ارتكاب جرائم حرب، رغم أن الأمر التنفيذي لفرض العقوبات في الأمور المتعلقة بسوريا يمنح السلطة للولايات المتحدة الأميركية لفعل ذلك إذا تم استيفاء معايير محددة.
إن منح السلطة لفرض عقوبات معيّنة بحسب التقرير، متاحٌ في القرار التنفيذي رقم /13894/ والذي يحمل عنوان “الحجز على الممتلكات ومنع دخول الأشخاص الذين لهم صلة بالوضع السوري”، وقد تم إصدار هذا الأمر من قبل رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، في الـ/14/ من تشرين الأول/أكتوبر 2019، أي بعد عدة أيام من إطلاق تركيا لهجمتها غير المبررة ضد قوات سوريا الديمقراطية.
صدر هذا الأمر لاستهداف الوكالات والمسؤولين الأتراك الذين شاركوا في احتلال سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، حيث فُرِضت عقوبات مباشرة على وزارات الدفاع والطاقة والداخلية التركية. ولكن العقوبات التي تم تطبيقها بموجب ذلك الأمر، أُزيلت بعد أسبوع فقط من فرضها وذلك بعد توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في الـ/17/ من تشرين الأول من عام 2019.
ورغم أن الأمر التنفيذي يبقى قائماً، ونطاق تطبيقه أوسع بكثير من الشخصيات والأفراد والمؤسسات المُستهدفة في البداية، حيث يوضّح تقرير مكتب المفتش العام بأنه يمكن أن يُستَخدم الأمر التنفيذي ضدَّ المجموعات المسلّحة المدعومة تركياً والتي ارتكبت جرائم حرب في سوريا.
ولكن لا يمكن لأي دولة أجنبية أن توقف الدعم التركي عن المجموعات السورية التي تديرها، إن فرض عقوبات على هذه المجموعات سيكون إشارة واضحة على أن هذه المجموعات لا تستحق أي دعم دولي، بل وستتساءل دول ومنظمات أخرى عن سبب دعم تركيا لكيانات فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات اقتصادية عليها.
وبالاعتماد على مدى فرض العقوبات والتزام الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذها، يمكن للعقوبات المفروضة على الجماعات المسلّحة أن تفتح باباً لإجراءات مماثلة ضد المسؤولين والمؤسسات التركية التي تدعم أو تساند هذه الجماعات.
يستحيل أن يجهل المسؤولون الأتراك تلك الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات التي يديرونها، وكما هو الحال لتأييد أردوغان الصريح للتغيير الديمغرافي في عفرين، فقد شجع المسؤولون الأتراك هذه الجرائم، فإذا تبيّن ارتكاب أي من مجموعات الجيش الوطني السوري أو المنظمات لجرائم وفظائع تستحق فرض العقوبات، فإن ذلك سوف يستدعي اتخاذ الإجراءات ذاتها على الأفراد الذين يشرفون على هذه المجموعات المسلّحة والمنظمات التابعة لها.
كما ستكون بمنزلة إدانة كاملة لمجموعة واسعة من الانتهاكات المُرتَكبة من قبل هذه الجماعات المسلّحة التابعة لتركيا، حيث أن هناك العديد من فصائل الجيش الوطني السوري المسؤولة عن جرائم حرب متنوعة وموثَّقة بشكل جيد، من عمليات اختطاف وقضايا إخفاء قسري وعمليات اغتيال وحتى أعمال النهب وتدمير الممتلكات على نطاق واسع.
تحدث هذه الانتهاكات بشكل يومي تقريباً، فقد أفاد مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا أنه تم تسجيل أكثر من /100/ حالة اختطاف في شهر آب/أغسطس فقط ضمن منطقة عفرين المحتلّة من قبل هذه المجموعات.
لا تُدين الحكومات والمنظمات الدولية عادةً هذه الجرائم، وخاصةً الاعتداءات الشنيعة، مثل جريمة قتل هفرين خلف والتمثيل بجثتها والذي ظهر عبر مقاطع فيديو متداولة، فلم تتم إدانتها رسمياً من قِبل الحكومة الأميركية. إن فرض عقوبات على مجموعات الجيش الوطني السوري ,المسؤولة عن انتهاكات جسيمة من شأنه أن يظهر بأن الولايات المتحدة الأميركية على دراية تامة بتصرفاتها وهي تعارضه بشدة.
إن الدرجة التي تعتمد بها الجماعات المسلّحة النشطة في المناطق المحتلّة في شمال سوريا على تركيا، تجعل من الصعب على الجهات الفاعلة الأخرى التأثير على سلوكها.
بالمحصلة، لا يمكن أن تكون هناك عدالة لنطاق وحجم الفظائع المُرتَكبة حتى تنسحب القوات المدعومة من تركيا بالكامل ويُتاح لسكان المناطق المحتلّة العودة إلى ديارهم.
ومع ذلك، فإن العقوبات المفروضة على ميليشيات الجيش الوطني المتورطة في جرائم الحرب الفظيعة ستكون نقطة انطلاق واضحة وقابلة للتنفيذ للخضوع للمساءلة والعقاب.